الأنشطة الإبداعية وأثرها في تحقيق الذات عند الأطفال

بقلم المدرب :محمد علي
يندرج المعنى الحقيقي لتحقيق الذات في الوصول إلى حالة من الانسجام الداخلي التي تنعكس على المحيط بشكل يجعل الحياة المجتمعية أكثر جمالا واتزانا , وتحقيق الذات لا يكون إلا بطي مجموعة من المراحل والدرجات للوصول إلى هذه الغاية السامية من الاندماج والاكتمال والتناسق لكافة جوانب الشخصية الإنسانية .

وقد أشار تاريخيا غولدشتاين سنة 1939 وأبراهام ماسلو 1945 إلى ما يسمى بتحقيق الذات , وكان ماسلو بحق هو من ربط هذا المفهوم بالإبداع عند الطفل بشكل خاص والإنسان بشكل عام  , على الرغم من أن غولدشتاين هو أول من استخدم مصطلح تحقيق الذات من خلال دراساته عن وظائف الأعصاب والتي أكد من خلالها أن الكائن الحي هو كل موحد وان ما يحدث لأي جزء فيه لا بد وأن يؤثر على الكائن ككل .
لذلك من الأهمية بمكان عند الحديث عن الإبداع والطفل المبدع أن نأخذ بعين الاعتبار كافة النواحي الجسمية والنفسية والانفعالية لأن أي خلل في إحدى هذه الجوانب سينعكس على تحقيق الذات وبالتالي على إبداع الطفل .
وهذا ما ركزت عليه نظرية ماسلو من أن الطفل أول ما يحتاجه هو الحاجات الفسيولوجية الطعام والشراب والأوكسجين والنوم والابتعاد عن درجات الحرارة المرتفعة والمنخفضة بشكل متطرف وهذه الدوافع الفسيولوجية تتعلق بشكل مباشر بعمليات الحفاظ على الطفل ويجب إشباعها في الحدود المعقولة لكي يندفع الطفل إلى مستوى أعلى وهو المستوى الثاني أي حاجته إلى الأمان والشعور به , وفي المرحلة الثالثة تظهر حاجة الطفل إلى الانتماء والحب والحنان من قبل المحيط به وأنا أرى هنا أن هذه الحاجة ككل الحاجات الأخرى ضرورية  للطفل من لحظة ولادته  وحتى ما قبل الولادة , أذن هذه الحاجات متقاطعة رغم التقسيم الهرمي لماسلو ويشير بعدها إلى المرحلة الرابعة وهي الاحترام والتقدير , ومن ثم المرحلة الخامسة وهي تحقيق الذات والوصول إلى الإبداع .
نستطيع أن نقول وبقوة أن بناء شخصية الطفل مرهون بفهم احتياجاته وتقديمها بشكل يثري عالمه ,  ومن المهم أن ينتبه الجميع بدقة إلى هذه الهيكلية في تنشئة الطفل  , وهنا يأتي دور الأنشطة المرافقة في عملية تربية وتنشئة الطفل باعتبار الأنشطة هي الخبرة والجزء العملي والهام لاكتساب المعلومات والحقائق والأرقام , فالأنشطة تحدد علاقة الطفل بالأشياء وتزيد من اهتماماته الاجتماعية وتحسن علاقاته الشخصية بمن حوله  فلعبة جماعية ككرة القدم أو الركض والمسابقات تحمل في طياتها عشرات الرموز والصور الايجابية التي تدخل إلى ذهن الطفل راسمة خريطة متينة من الوعي والفهم وتعلم المعايير والقيم  الاجتماعية كالتعاون والاحترام ومراعاة الدور والصدق والمحبة و محققة المتعة والفائدة النفسية والروحية للطفل .
فالأنشطة تحقق التوازن والصحة النفسية للطفل وتزيد من مهارات التركيز لديه وبالتالي تزيد من فرص التعلم وتطوير إمكانيات الطفل وذكائه وزيادة موهبته , فالعديد من الموهوبين يفشل في الاستفادة من قدراته بشكل كامل , بينما ينجح آخرون .
أن تحقيق الذات عند الطفل هي عملية مستمرة ولا نهاية لها , إنها نشاط دائم ومتجدد ومتغير  إذن هي عملية تواصل حقيقية مع النفس والعالم للخلق والإبداع , وهي لحظة تحرر من الصراعات الداخلية والقلق لتوظيف الطاقات بشكل يخدم نمو الطفل ويزيد من قدرته على الابتكار والتجديد .
في النهاية نستطيع القول أن اهتمامنا بالطفل  بشكل جيد سيخلق لديه الجرأة والحرية والشجاعة والتكامل لتقبل ذاته وبالتالي زيادة نشاطاته التي تؤهله لاكتساب المزيد من المعارف وتنمية جميع الجوانب الإبداعية الكامنة في شخصيته .