دعوهم يعيشون الحياة حتى لا يموتوا بالشاشات

بدل أن تكون شاشته الحياة،ليَنتقي منها  ما يراه

أصبحت شاشته الكترونية يُنتقى له ما يراه

بدل أن تكون أصابعه تلمس كل ما يقع في مجاله ليشعر به ويعرفه ويكتشفه.

أصبحت أصابعه تلمس شاشة “كبيرة كانت أو صغيرة” ليعرف ما في مجالها.

هل نظن أنه بهذه الطريقة يواكب العصر؟

وهل تكون بهذه الطريقة مواكبة العصر؟

وهل يكون ترك أبنائنا أمام الشاشات دخولا في عصر العولمة ومواكبة له؟

أغلقوا هذه الشاشات أمام أطفالكم ..لا تتردوا..

فشاشة الحياة مفتوحة أمامهم …

أطفالنا ووسائل الإعلام:

تشير الدراسات الاجتماعية والتربوية والنفسية (دون ريب) إلى أن تأثير وسائل الإعلام على التعلم والسلوك عميقاً سواء من الناحية الإيجابية أو السلبية، لكن ونحن نتكلم عن طفل ما قبل السنتين “ما نسميه الطفولة المبكرة” لا نستطيع القول إلا أن تأثيرها عميق من الناحية السلبية.

توصي (الأكاديمية الأميركية لطب الأطفالAAP) بأن “لا يتعرض أي طفل تحت سن الثانية لوسائل الإعلام والشاشات بأنواعها(آي باد- موبايل- تلفزيون….).

وأن يقتصر وقت الشاشة لأطفال فوق السنتين يقتصر على ساعتين متفرقتين في اليوم” والمقصود بوقت الشاشة هو مشاهدة أو استخدامٍ لتلك الأجهزة.

لننظر معاً كم الوقت الذي  يقضيه الأطفال بنفس الغرفة أو في أحضان أهلهم وهم يستخدمون هذه الأجهزة الرقمية أو يشاهدون التلفاز وأحيانا كثيرة يلجأ الأهل لترك أطفالهم وحدهم مع هذه الشاشات إما بغرض تسليتهم أو إبعادهم عنهم فترة، أو لأغراض أخرى تبعاً للحالة الاجتماعية ووضع العائلة في المجتمعات.

لماذا يجب تجنب الشاشة قبل عمر السنتين؟

أظهرت دراسات وأبحاث خاصة بالدماغ الأدلة الفيزيولوجية التي تبين أن الوصلات العصبية التي تتشكل في مرحلة الطفولة المبكرة تؤثر إلى حد بعيد على نمو وتطور مختلف قدرات الإنسان، كما ميزت هذه الأبحاث نوعية الخبرات وطبيعة البيئة الداعمة التي يحتاجها الدماغ لينمو ويتطور.

تتصرف الصور المعروضة في الشاشات بطرق تختلف بشكل كبير عن تلك الموجودة في العالم الحقيقي.

مثلاً : لنتخيل كرة في الواقع وكرة على الشاشة ، الكرة على الشاشة بالنسبة للطفل مسطحة لأن الشاشة ثنائية الأبعاد في حين أن الكرة في الواقع هي ثلاثية الأبعاد.

الكرة على الشاشة عندما تتدحرج يراقبها الطفل بصريا حتى تختفي لتأتي بعدها صورة أخرى دون أن يحدث أي تفاعل  حقيقي أو واقعي، بينما في واقع الحياة عندما تتدحرج الكرة أمام طفلك فإنه بالحد الأدنى سوف يندفع لالتقاطها وهذا يتطلب الزحف أو الحبو ثم مسكها بين يديه  أو ركلها أو وضعها في فمه وهذا بدوره يساهم بشكل فعال في نمو وتطور الدماغ على خلاف الشاشة.

بالإضافة إلى أن أدمغة الأطفال تأخذ سنتين كاملتين في النمو لتصل إلى النقطة التي تكون الرموز على الشاشة تمثل نظيرتها في العالم الحقيقي. وقد أظهرت الأبحاث (المركز الطبي لجامعة بوسطن يناير2015) أن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 30 شهراً لا يتعلمون من هذا الأنواع من التجارب والتي تكون من خلال الشاشات فحسب.

كما إن وقت الشاشة المفرط (مشاهدة أو استخدام) لأطفال تحت عمر السنتين يؤدي إلى مشاكل في الانتباه والنوم واضطرابات الأكل ومشاكل تطور المهارات الاجتماعية والعاطفية اللازمة للتفاعل بشكل مناسب مع الآخرين، ومشكلات التأقلم مع الواقع المحيط به، وأيضا يؤدي إلى تأخر تطور اللغة والتي هي أحد أبرز مجالات التنمية، ففي الظروف العادية ، ينطق أحد الوالدين حوالي 940 كلمة في الساعة للطفل الصغير، بينما ينخفض عدد الكلمات لتصل إلى 770 مع التلفزيون أو أي نوع آخر من الشاشات بسبب التبادل الأقل للكلمات، وغياب استخدام اللغة ومفرداتها اليومية، وذلك يسبب التركيز الأقل في التعلم .

إن الأطفال الصغار الذين يشاهدون الشاشة بانتظام هم أيضاً أكثر عرضة لتطوير مشاكل التركيز في سن  السابعة كما تشير الكثير من الأبحاث العلمية.

ماذا يحتاج الأطفال؟

يُعرف جان بياجيه  أن ذكاء الطفل في هذه المرحلة العمرية الخاصة يتميز بكونه حسي حركي أي يعتمد على الحواس والحركة مثل (وضع الأشياء في الفم والقبض على أشياء ورميها..) وللذكاء الحسي مظاهر يشترك فيها جميع الأطفال (مابين الميلاد وحتى 24 شهراً) تتسم هذه المرحلة بغياب قدرة الطفل على القيام بتفكير منطقي فيتصرف بعشوائية تنتظم تدريجيا على شكل سلوك أشبه بالمحاولة والخطأ.

فالتعلم  يشمل منظومة متكاملة من الاستراتيجيات التي تنتج عن تآزر مختلف الآليات الذهنية والنفسية والانفعالية والحسية والحركية التي تنشط في الطفولة المبكرة.

 بمعنى آخر التعلم يتطلب التفكير الذي يعتمد على القدرات الذهنية والتي بدورها تستند إلى المهارات الحسية وهي مهارات التمييز الحسي(البصري ،والسمعي، والجلدي ،والإحساس بوضع الجسم، والشم والذوق) ، ومهارات تنسيق الحركات الحسية الحركية – (كالاتزان والتوجه بالفراغ).

وهذا بالتأكيد من غير الممكن أن يتم من خلال وقت الشاشة،ذلك يتطلب أن يتعامل الطفل مع أشياء في واقع حقيقي،وهذا يحدث أثناء معايشة الطفل لمختلف خبراته الحياتية المنظمة وغير المنظمة بما يتلاءم مع طبيعته (حاجاته وخصائصه النمائية ) من ناحية ومع ثقافة مجتمعه وما تتضمنه من قيم ومعايير السلوك والعادات والتقاليد والمعتقدات.

إن ما تقدمه الشاشة لطفل ما قبل السنتين هو أشبه بالوجبات السريعة للعقل والتي قد تسبب في عرقلة نموه وتطوره … دعوهم يعيشون الحياة حتى لا يموتوا بالشاشات…

 


                                             المدربة في المركز الإقليمي لتنمية الطفولة المبكرة

                                                                                                                                    وفاء شاهين