كيف تتجسد القيم التربوية سلوكاً في حياة الطفل
إن الانفتاح المستمر في العالم والتقدم الذي تخطى حدود الزمان والمكان دفع الكثيرون إلى المطالبة بتربية بلا حدود، بلا جدران، بلا صفوف، بلا مقاعد، وخاصة بعد جائحة كورونا وبالنهاية فأن الأطفال هم أكثر تأثراً بكل التغيرات.
وحرصاً على أطفالنا باعتبارهم أساس بناء المجتمع حتى لا يكتسبوا قيماً بعيدة عن مجتمعهم وأسرتهم قد تكون سلبية ، لابد أن نكون واعين لهذا التأثر ،وأن تكون الأسرة هي المرجع الأول للطفل لتكوين شخصية المستقبل.
والسؤال هنا : ماهي القيم ،وكيف تتجسد القيم التربوية سلوكاً في حياة الطفل؟
القيم :هي المعايير والأحكام التي تتكون لدى الفرد وتعمل على توجيه سلوكه، وقد تكون ايجابية أو سلبية، مرغوباً بها أو مرغوباً عنها ،وقد تكون هذه القيم سلوكاً صريحاً أو أفكاراً ضمنية، ولكل مرحلة عمرية قيمها الخاصة بها.
ففي مرحلة الطفولة المبكرة يكتسب الطفل قدراً كبيراً من القيم يتلقاها من الأسرة والروضة والمدرسة ، فيتشكل الإطار القيمي للطفل منذ الصغر، ويستطيع أن يميز الصواب من الخطأ ، وبالتالي يستطيع التكيف مع الجماعة التي ينتمي إليها والمجتمع الذي يعيش فيه.
من هنا تكمن أهمية ما يأخذه الطفل من القيم والمعايير في سن مبكرة ، فالإنسان لا يولد من فراغ ،بل مما يتشربه من محيطه، والأهل هم قدوة لأطفالهم بالدرجة الأولى في تقديم هذه القيم بشكل متوازن، ولا يكون ذلك بالوعظ والارشاد أو التهديد والصراخ ،بل هو سلوك طبيعي يومي يمارس، ومنح الطفل الحب والحنان من أهم مقومات تجسيد القيم، لأن الطفل يتمثل قيم من يحب ويكتسبها دون عناء. فالأم مثلاً التي تطفئ إنارة جميع غرف المنزل قبل النوم أو بعد الانتهاء من استخدامها وبشكل يومي وعلى مر الزمن سيتعلم الطفل هذه العادة والتي تندرج تحت قيمة الاحساس بالمسؤولية تجاه ترشيد استهلاك الكهرباء، والأم التي تخصص أوقاتاً منتظمة لتقديم الطعام لأطفالها يومياً في موعد محدد لا يُخرق إلا في ظروف خاصة تعلمه قيمة النظام، والأم التي تحمل كتاباً وتقرأ أمام أطفالها يتشرب الطفل هذه العادة، وكذلك الأب الذي يتعامل مع طفله بأسلوب يسوده التعاطف ورؤيته له بتعامله مع الآخرين برحمة ولطف يكتسب الطفل قيمة التعاطف، والأب الذي يكلف الطفل أعمالاً سهلة يستطيع القيام بها كالتقاط ألعابه يكسبه قيمة تحمل المسؤولية، وهكذا… فالأمور لا تأتي اعتباطاً بل تكون منظمة ومدروسة، بحيث نراقب سلوكنا أمام أطفالنا وإلا سيكون الأمر فوضى، وبعد ذلك لا يحق لنا أن نتساءل كوالدين لماذا لا يلتزم أطفالنا بالقيم؟ ما من سلوك خاطئ نرفضه من أطفالنا، إلا ونكون نحن من زرعه فيه.
لتعزيز هذه القيم المرغوب فيها التي اكتسبها الطفل في مراحله المبكرة يأتي دور الروضة، فأسلوب المربي الذي يتسم بالدفء والصداقة والودَ يؤدي إلى زيادة درجة التوافق بين قيمه وقيم الطفل من حيث اشباع دافع الانتماء عنده ،واكتساب موجهات السلوك وتوظيفها في حياته اليومية وتعامله مع الآخرين ،فمشاعر الرضا والسعادة في وجوه المحيطين يعطيه ردة فعل ايجابية تؤكد السلوك الذي صدر منه.
في هذه المرحلة يحتاج الطفل إلى إرضاء روح الاستكشاف لديه، والإجابة على جميع تساؤلاته، وترسيخ القيم من خلال القصص والأغاني والمواقف الواقعية، ومن هذه القيم النظافة والأمانة والصدق والنظام والتعاون والمحبة والتسامح، ويوظف المربي هذه القيم من خلال الأنشطة الحركية والفنية بما يخدم تعزيز هذه القيم الإيجابية في نفس الطفل وتنميتها.
أما في المدرسة فيحتاج الطفل إلى القيم التي توثق علاقته بالمجتمع الخارجي، وتوفر له الوسائل الجيدة والمهارات التي يتعامل بها مع غيره، كالصداقة والاهتمام بالموهبة والمحافظة على البيئة والرأفة بالحيوان والتفوق وغيرها…
وهكذا فالقيم لا تُؤخذ دفعة واحدة ،بل على مراحل وتنمو وتكبر مع الإنسان، وهي ترتبط بالطريقة التي يأخذها وبالأشخاص الذين يجسدونها، فالسلوك الجيد في المنزل يمهد لسلوكيات أفضل في المراحل العمرية القادمة، فالقيم تبدأ بالمحاكاة المستمرة لتصبح عادة وسلوكاً يومياً وفكرة مرجعية .
دائرة البحوث والدراسات
زاهدة غويش