عنف الألعاب الإلكترونية

في ظلّ التطور التقني والتكنولوجي السريع انتشر العنف بشكلٍ واسعٍ, ولم يعد مقتصراً على العنف البدني أيّ الماديّ فقط, بل يمتد إلى ما هو أشمل كالعنف النفسي والاستغلال الاقتصادي والجنسي للطفل, من خلال الألعاب الإلكترونية التي يمكن للطفل أن يصلها بسهولة. وإنّ العنف في الألعاب الإلكترونية يعدّ السمة الأبرز لها ويتّخذ اتجاهاً متطرفاً في بعض الأحيان، بحيث تجسّد بعض هذه الألعاب مشاهد دموية بشعة، كما يظهر كثير من أبطال هذه الألعاب على أنهم أفراد منحرفون لا يتحلّون بالأخلاق أو الفضيلة, وإنما الصفة التي تميزهم هي أنهم يمتلكون القوة الجسدية ويجيدون القتال والقتل، وعلى هذا الأساس أصبح من المألوف أن تشاهد بطلاً في لعبة فيديو يعتدي على الأبرياء أو يقتلهم من دون سبب. مما قد يترك أثراً سلبياً لدى الطفل يدفعه إلى اعتبار العنف سمة أساسية للتفوق و التميز عن الآخرين, و أفضل أسلوب لحل المشاكل التي تواجهه في حياته، وخاصةً أن الطفل هو الذي يتقمّص الدور العنيف في اللعبة الإلكترونية مباشرة فيشارك بنفسه في أداء مشاهد التعذيب والقتل الدموي التي تظهر في اللعبة بشكل متكرر.

تعريف الألعاب الإلكترونية: نوع من الألعاب الحديثة الأكثر شعبية في العالم والتي تُعرَض على الشاشات المختلفة, أو التي تُلعب أيضاً على حوامل التحكم الخاصة بها أو في قاعات الألعاب الإلكترونية المُخصصة لها، بحيث تزوّد هذه الألعاب الفرد بالمتعة من خلال تحدي استخدام اليد مع العين “التآزر البصري الحركي” أو تحدٍّ للإمكانات العقلية، وهذا يكون من خلال تطوير البرامج الإلكترونية.

أشكال عنف الألعاب الإلكترونية: يتعرض الطفل خلال ممارسته الألعاب الإلكترونية إلى العديد من المشاكل تتمثل في :

  1. الإهمال: بسبب اتباع الألعاب الإلكترونية لسياسة جلب المستخدم, وجعله يتعلق باللعبة لضمان استمرارها مما يصل بالأطفال اللاعبين إلى ترك وإهمال واجباتهم الحياتية, والانغماس في مثل هذه الألعاب.
  2. الآثار الصحية: إن الإكثار من استخدام هذه الألعاب يزيد من احتمال إصابة الأطفال بمشاكل في الجهاز العصبي و العضلي و العظمي, نتيجة الجلوس الطويل أمام هذه الألعاب.
  3. الانطواء والعزلة: تساهم الألعاب الإلكترونية في الانطواء والعزلة الاجتماعية وقلة التواصل مع أفراد الأسرة، وبالتالي فقدان الكثير من المهارات الاجتماعية والمعرفية والوجدانية والتعليمية، مما يسبب للطفل صعوبة في التعريف عن ذاته والخجل من الآخرين وكيفية التعامل معهم.
  4. الانفتاح غير المحدود: الألعاب الإلكترونية تدخل الطفل إلى عالم مفتوح لا حدود له, و نظراً لصغر سنه لا يدرك التمييز بين ما هو صحيح و ما هو خاطئ مما يؤثر على سلوكه.
  5. ترسيخ الرموز والأفكار الغربية: لقد استغلت شركات الإنتاج الغربية الألعاب الإلكترونية لتمرر ما تريد من أفكار ورموز وشخصيات نمطية أصبحت بفعل تكرارها وجاذبيتها نماذج يقلدها ويمثلها الطفل العربي, و يتعود عليها كأنها واقع، مما قد يسهم في اغترابه عن مجتمعه وثقافته.
  6. ممارسة العنف والسلوك العدواني: إن الألعاب الإلكترونية الحالية تعتمد في جلّها على التسلية والاستمتاع بقتل الآخرين وتدمير ممتلكاتهم، وذلك بالاعتداء عليهم دون رحمة, الأمر الذي يجعل الطفل يتعلم كل أساليب العنف و العدوانية و الحقد و عدم الشفقة. كما أنه من الممكن ملاحظة تفاعله مع الألعاب الإلكترونية بشكل حماسي وانفعالية مطلقة ومزاجية نحو أحداث اللعبة التي يلعبها، وكأنه يعيش الواقع بحاله وهو ما يجعله يندمج مع كل لعبة فيصبح يصرخ لا إرادياً ويتحاور مع نفسه، وقد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى أن يرمي مختلف الأشياء المحيطة به خوفاً من الخسارة.

دور أولياء الأمور في  حماية الطفل من عنف الألعاب الإلكترونية:

يواجه أولياء الأمور إشكاليات تربوية وسلوكية مع أطفالهم بسبب تقليدهم أبطال الألعاب الإلكترونية على أرض الواقع، منها تداول عبارات وكلمات بذيئة, ومحاولة تنفيذ الحركات القتالية الخطيرة على سبيل التجربة والاكتشاف الشخصي، فيتخذون من هذه الشخصيات قدوة لهم يحاولون تقليدها لأنهم لا يستطيعون التمييز بين الحقيقة والخيال, الأمر الذي يدفعهم لبذل جهود إضافية في سبيل حماية الطفل من عنف الألعاب الإلكترونية و ذلك من خلال:

  1. الإشراف على الطفل عندما يستخدم أي جهاز إلكتروني.
  2. التأكد من جعل الأجهزة الإلكترونية جميعها آمنة بضبط البرامج المصرح بها بشكل صحيح, والقيام بتحديثها باستمرار.
  3. التأكد من أن الجهاز الإلكتروني لا يحتوي على أي محتوى غير لائق حسب عمر الطفل, وأنه لا يمكن للطفل الذهاب عن طريق الخطأ إلى الانترنت.
  4. الاستعداد لكل مرحلة من مراحل نمو الطفل من خلال التثقيف حول الأجهزة والمحتوى الذي يستخدمه الأطفال.
  5. تحديد مدة زمنية معينة لممارسة الأطفال للألعاب الإلكترونية، والتي لا ينبغي أن تتجاوز الساعة يومياً مع فترات راحة.
  6. التعرف على تصنيفات الألعاب الإلكترونية التي تساعد في الاختيار المناسب تبعاً لعمر الطفل, وعلى نوع المحتوى الذي سيتعرض له الطفل.
  7. فسح المجال للأطفال للمصارحة والحديث مع أولياء الأمور إذا كان لديهم أية مخاوف بشأن أي شيء قد واجهوه عبر الألعاب الإلكترونية، و مناقشة أية مشاكل و إيجاد الحلول معاً.

وبناءً على ما سبق يتبيّن الدور الكبير الذي تقوم به الأسرة لحماية الطفل من عنف الألعاب الإلكترونية، واتخاذ جملة من التدابير والإجراءات الرامية إلى ضمان حق الطفل بالتعلم والحماية, والحفاظ على سلامته الصحية والجسدية والنفسية.

من هنا نجد مدى خطورة الألعاب الإلكترونية على حياة الأطفال ومستقبلهم العاطفي والمهني والصحي على حدٍّ سواء، فلا يمكننا تجاهل هذا العنف الكبير المُمارس على الطفل, بل يجب حماية الطفل منه متجاوزين بذلك العوائق والصعوبات جميعها.

  1. برتيمة، سميحة. (2017). الألعاب الإلكترونية والعنف المدرسي “دراسة ميدانية على عينة من تلاميذ متوسطة الشهيد عروك قويدر بلدية المرارة ولاية الوادي”. رسالة ماجستير غير منشورة. قسم جامعة محمد خيضر، الجزائر. ص310.
  2. برهومي، سمية. (2020). تأثير الألعاب الإلكترونية على جوانب صحة الطفل في ظل جائحة كوفيد 19. كتاب المؤتمر الدولي: الألعاب الإلكترونية وتأثيراتها على الطفل في ظل جائحة فيروس Covid- 19، ألمانيا.
  3. برّوك، طارق. (2020). العنف في الألعاب الإلكترونية وعلاقته بالسلوك العدواني لدى الأطفال. كتاب المؤتمر الدولي: الألعاب الإلكترونية وتأثيراتها على الطفل في ظل جائحة فيروس Covid- 19، ألمانيا.
  4. . خضر، رضا. (2020). تأثير الألعاب القتالية الإلكترونية على الأطفال في ظل جائحة كورونا “لعبة فري فاير ولعبة ببجي”. كتاب المؤتمر الدولي: الألعاب الإلكترونية وتأثيراتها على الطفل في ظل جائحة فيروس Covid- 19، ألمانيا
  5. الطناحي، محمد. (2019). الألعاب الإلكترونية جدلية التأثير وحتمية المواجهة. ورشة عمل العالم الرقمي وثقافة الطفل العربي. المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو). جامعة الدول العربية. القاهرة
  6. عبد الحفيظ، موساوي. (2020). مظاهر تأثيرات الألعاب الإلكترونية على الأطفال في زمن كورونا Covid-19. كتاب المؤتمر الدولي: الألعاب الإلكترونية وتأثيراتها على الطفل في ظل جائحة فيروس Covid- 19، ألمانيا
  7. فتح الله، محمد لمين. (2020). أثر الألعاب الإلكترونية على الطفل. كتاب المؤتمر الدولي: الألعاب الإلكترونية وتأثيراتها على الطفل في ظل جائحة فيروس Covid- 19، ألمانيا.
  8. الكعبي، حيدر محمد. (2017). الألعاب الإلكترونية وأثرها الفكري والثقافي. المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، سلسلة الاختراق الثقافي (3)، النجف، العراق.
  9. منماني، نادية؛ دلهوم، عماد. (2020). أثر جائحة كورونا على تحقيق السلامة الرقمية عند الطفل بتوجيهه لممارسة الأنشطة الرياضية والبدنية كآلية بديلة. كتاب المؤتمر الدولي: الألعاب الإلكترونية وتأثيراتها على الطفل في ظل جائحة فيروس Covid- 19، ألمانيا.
  10. همّال، فاطمة. (2012). الألعاب الإلكترونية عبر الوسائط الإعلامية الجديدة وتأثيرها على الطفل الجزائري. رسالة ماجستير غير منشورة. قسم الإعلام وتكنولوجيا الاتصال الحديثة. كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية والعلوم الإسلامية. جامعة الحاج لخضر- باتنة. الجزائر. ص348

                                                   ألين يونس

                                                 دائرة الأبحاث و الدراسات