التنمّر لدى الطفل
التنمّر سلوك عدوانيّ، يظهر عند الطفل في سنّ مبكّرة، ويتجلّى في إظهار قوته، وفرض سلطته على منْ هم أضعف منه، ويُعدّ من السلوكيّات المكتسبة، أي أنّها ليست طبعاً في الطفل أو تولد معه، أو جزءاً من شخصيّته، فهو سلوك يكتسبه سواء من معاملة الأهل له أو من المجتمع الذي يعيش فيه، وقد غدا من السلوكيّات المنتشرة بكثرة بين الأطفال.
وعرّفت اليونيسيف التنمّر: بأنّه أحد أشكال العنف الذي يمارسه طفل أو مجموعة من الأطفال ضدّ طفل آخر، أو إزعاجه بطريقة متعمّدة ومتكرّرة، وقد يأخذ التنمّر أشكالًا متعدّدة كنشر الإشاعات، أو التهديد، أو مهاجمة الطفل المُتنمَّر عليه بدنيّاً أو لفظيّاً، أو عزل طفل ما بقصد الإيذاء أو إلحاق الضرر به.
أشكال التنمّر:
يأخذ التنمّر صوراً وأشكالاً عدّة، نذكر منها:
1- التنمّر اللفظيّ: ويظهر بالأشكال التالية: الاستفزاز، النداء باسم فيه سخرية أو مضايقة الطفل المتنمّر عليه، التعليقات غير اللائقة، التهديد بإلحاق الضرر أو السخرية.
2- التنمّر الاجتماعيّ: الابتعاد أو النفور من طفل ما، وتحريض الأطفال على عدم الاقتراب أو مصادقة طفل ما، ونشر الشائعات المؤذية عنه، أو إحراجه.
3- التنمّر الماديّ: إلحاق الضرر بالطفل أو ممتلكاته ويتمثّل فيمايلي: الضرب أو الركل وغيرها من وسائل الضرب البدنيّ، الدفع، أخذ أو كسر ممتلكات المتنمّر عليه أو استخدام إشارات غير لائقة.
4- التنمّر الإلكترونيّ: وظهر هذا الشكل مع الاستخدام الزائد للإلكترونيّات والتنمّر الإلكترونيّ عن طريق التهديد والإذلال والإهانة، ويتمّ فيه استخدام التقنيات ووسائل التواصل الاجتماعيّ الحديثة التي أصبحت متوفّرة حولنا والتي يستخدمها الأطفال دون رقابة في كثير من الأحيان.
ويمكن القول إنّ الطفل المتنمّر هو الذي يضايق، أو يخيف أو يُهدّد أو يؤذي الآخرين الذين لا يتمتّعون بدرجة القوة نفسها التي يتمتّع بها، وهو يخيف غيره من الأطفال في الروضة أو المدرسة ويجبرهم على فعل ما يريد بنبرته الصوتيّة العالية واستخدام التهديد، وعادة ما يقع التنمّر في غرفة النشاط أو الصفّ أو أيّ مكان يلتقي فيه الأطفال كمجموعات مثل: ساحة اللعب، أو أماكن البيع والشراء، أو الممرّات المنعزلة، أو قد يقع خارج الروضة والمدرسة في طريق العودة للمنزل أو في المواصلات العامّة.
العوامل المسبّبة للتنمّر (عوامل الخطورة):
تعدّدت مسبّبات التنمّر لدى الطفل ويمكن تصنيفها إلى أسباب تتعلّق بالأسرة، وأسباب تتعلّق بالروضة أو المدرسة، وفيما يلي شرح مفصّل لتلك الأسباب:
أسباب تتعلق بالأسرة:
1- تنمر الأسرة نفسها على الطفل:
يعد التلقين الأسري أخطر أسباب التنمر، فبعض الأسر قد تكون المحفز الأول لأبنائها على هذا السلوك العدائي، وتستخدم ذلك كدلالة على التفوق، والقدرة لدى أطفالها على قيادة الآخرين والسيطرة عليهم، وعادة تلك الأسر لا تقبل أيّ تدخّل تربوي لتعديل سلوكها. و يكفي أن يجد الطفل في بيته الانتقاد والسخرية وربّما التعنيف، ليترجم ذلك إلى تنمّر واعتداء خارجه، يهدف الطفل من ذلك الحصول على المكانة والاحترام بين أقرانه من خلال سلوكه العدائيّ.
2- الانشغال والإهمال:
تسعى معظم الأسر لتوفير متطلّبات الحياة الماديّة لأولادها وتنشغل عن توجيه طفلها توجيهاً سليماً، ولا تُراقِب سلوكيّاته وتُقوّمها. هذا الإهمال والانشغال يجعل الطفل متماديا ًفي الخطأ والإساءة للحصول على أيّ شكل من الانتباه أو الاهتمام من الآخرين.
عوامل تتعلّق بالروضة أو المدرسة:
– الضعف والإهمال في الرياض والمدرسة:
إذا كان نظام المدرسة أو الروضة ضعيفاً في الإدارة والمتابعة، ومهملًا في القيام بأدواره التربويّة، أو عندما يكون عدد الأطفال كبيراً يفوق قدرة المربّين على السيطرة عليهم، أو عدم قدرتهم على إدراك المشاكل التي تحيط بالأطفال أو التي تنتشر بينهم، فتظهر الإساءات والاعتداءات، ويفلت المتنمرّون من العقاب.
– التلفاز وألعاب الفيديو:
إنّ العنف في وسائل الإعلام كالألعاب الإلكترونيّة العنيفة، والأفلام المحرّضة على العنف، وبرامج المصارعة ، تنمّي السلوك العدوانيّ لدى الطفل بحيث يصبح العنف والاعتداء تسلية ومتعة وطريقة حياة.
– الخلل في فهم العلاقات وضعف المهارات الاجتماعيّة:
يفتقر الطفل المتنمّر إلى السلوك الاجتماعيّ حسب ما تشير إليه الدراسات النفسيّة، ولا يشعر بالانزعاج من جرح مشاعر الآخرين وعدم تفهّمها، وغالباً ما يتجه إلى العداء في المواقف المختلفة ويرى نفسه بشكل إيجابيّ للغاية، إذ إنّ التسلّط والتنمّر على الآخرين يُشعر المتنمّر بالثقة بالنفس والأهميّة والحصول على الاهتمام والشعبيّة.
– تدنّي المستوى الدراسيّ أو الاجتماعيّ:
قد يلاحظ الطفل ذلك ويسعى جاهداً لتحسين وضعه، فيتنمّر ليحصل على واجبات الآخرين ليحلّ مشكلة افتقاده الأصدقاء من خلال العلاقات التسلطيّة. أو يلجأ للسلطة «أنا ابن فلان، أو نحن أحسن من الناس » بتلك الكلمات أو مثيلتها، ينمّي الآباء كبراً واستعلاء غير محمود لدى طفلهم، ولا يشمل ذلك أقران الطفل المتنمّر بل ومربّيه وكلّ من يحتكّ بهم. إذ يعدّ الطفل المتنمّر نفسه أعلى قيمة وأهمّ ممّن حوله، ولا يسمح لأحد بتقويمه فهو ينال القوّة بمنصب والديه ليتسلّط على كلّ منْ لا يعترف بمكانته.
وفي ضوء ذلك يمكن القول إنّ التنمّر سلوك موجّه من طفل إلى آخر في مثل عمره أو أصغر منه قليلاً، وفي هذه الحالة يصبح الخطر أكبر على ضحايا التنمّر، حيث يعانون من الانعزال الاجتماعيّ والرفض والاضطهاد والمضايقة، أما المتنمّرون فيطورن أنماطاً من السلوك اللاجتماعي ولدى البعض منهم اندفاع قهري التصرّف دون تفكير.
كيف نحدّ من التنمّر؟
إن السلوك العدوانيّ سلوك مُتعلّم في غالبيته، لذا من الممكن الأخذ بيد الطفل لبلوغ هدفه بعيداً عن الأذى النفسيّ والجسميّ للمعتدَى عليه، وذلك من خلال مايلي:
– الأسرة: يمكن للأسرة أن تعمل على تهيئة بيئة اجتماعيّة غير عدوانيّة من خلال تنشئة اجتماعيّة تغرس الحب وتنمّي المهارات الاجتماعيّة، والتعاون بين الاطفال وتنمّي حاجاتهم النفسيّة والبيولوجيّة.
– تصويب المفاهيم الخاطئة في ذهن الطفل وفي العلاقة المزعومة بين قوّة الشخصيّة واستخدام العنف في حلّ مشاكل الحياة.
– استخدام الضبط الإيجابي من خلال تصويب الخطأ فإذا تلفّظ الطفل بالعبارات غير المهذّبة في تعامله مع الآخرين وهو غاضب، يُطلب منه أن يعتذر بعبارات مهذّبة ومؤدّبة، وإذا قام بضرب طفل آخر عليه أن يقدّم إليه هدية وأن يعتذر إليه أمام زملائه في حال وقعت المشاجرة أمامهم.
– مساعدة الطفل على تقييم مواقف الإحباط : إنّ الأطفال مثل غيرهم معرّضون لمواقف إحباطيّة عديدة بسبب عدم تحقيق أهدافهم، فعلى سبيل المثال عندما تسقط فجأة القلعة المبنيّة من المكعّبات وتتهدّم، هذا الموقف المحبط يمكن أن يجعل الطفل يتصرّف بأسلوب عدوانيّ، فمن واجب المربّين مساعدة الطفل على تعلّم التمييز بين المواقف الإحباط العرضيّة والتعسفيّة من أجل السيطرة على ردود أفعاله في مواقف الإحباط أو التكيّف مع المواقف التي يمكن تجنبها.
– إعطاء الوقت الكافي للعب والمتابعة: تعدّ المجالات الرياضيّة خير المجالات للتعبير عن الانفعالات والتنفيس عن الغضب، ومن هنا يجب إعطاء الطفل الوقت الكافي للعب، وأن يصرف مشاعر العنف إلى قنوات سلوكيّة غير مؤذية.
وفي ضوء ذلك لابدّ من جعل الطفل أكثر معرفة بنفسه وبالآخرين ومعرفة بمعايير السلوك المقبولة في النظام الاجتماعيّ، وضرورة الكشف عن الاضطرابات السلوكيّة بصفة عامّة والتنمّر بصفة خاصّة خصوصاً في بداية ظهورها، والعمل على التدخّل المبكّر لخفضها حتى لا تتطوّر هذه الاضطرابات إلى سلوكيّات أشدّ خطورة مستقبلاً.
دائرة الأبحاث والدراسات
د. إيمان نصور
المراجع:
– إسماعيل، هالة.(2010). فعّاليّة العلاج بالقراءة في خفض التنمّر لدى الأطفال. المجلّة المصريّة للدراسات النفسيّة. مصر.
– خوج، حنان.(2007). التنمّر المدرسيّ وعلاقته بالمهارات الاجتماعيّة لدى تلاميذ المرحلة الابتدائيّة. رسالة دكتوراه. جامعة الملك عبد العزيز. جدّة.
– الصبحين، علي موسى، والقضاة، محمّد فرحات.(2013). سلوك التنمّر عند الأطفال والمراهقين. ط1. مكتبة الملك فهد الوطنيّة للنشر والتوزيع.
– عبيد، سماح.(2018). دراسة بعض سمات الشخصيّة عند المراهق المتنمّر المتمدرس في المتوسطة. جامعة العربيّ بن مهيدي. الجزائر.