الحكاية الشعبية… موروث شعبي وتراث وطني

رغم التطور التكنولوجيّ وزمن العولمة الذي طغى على مسار الحياة وظهرت آثاره في طمس ملامح الحضارة والتاريخ إلّا أن الحكاية الشعبية التي تتفرّع عن الأدب الشعبيّ ما تزال تعبّر عن ذاكرة الأمم ومخزونها، فهي تشكّل القارب الذي تعبر به التجارب ويربط الماضي بالحاضر، ولأهميّة مرحلة الطفولة المبكّرة زاد الاهتمام بالطفل وبتثقيفه وتبصرته بتاريخ أمّته كونه رجل الغد، من خلال الاهتمام بإحياء الحكاية الشعبيّة وأهميّتها ودورها في تثقيف الطفل وإدراكه لماضي وعادات وتقاليد مجتمعه حتّى يكون بيده مصباح ينير طريقه لصعود سلّم الارتقاء والحضارة ويتمكّن بأخذ المكان المناسب له ليكون فعّالاً في مجتمعه وأمّته.
ما هي الحكاية الشعبيّة؟
إبداع الخيال الشعبيّ حول حدث مهم أو تجارب الأجداد صيغت في قالب قصصيّ جذّاب زاخر بالعِبر والقيم النبيلة، وهي فنّ الشعب وأسلوبه في التعبير عن حياته وأفكاره، كما هي ذاكرته التي تحفظ وتنقل ما تحفظ إلى منْ يأتي من الأجيال.
وحتّى تكون الحكاية الشعبيّة الموجّهة للطفل ذات مغزى وهدف تخدم القيم التربويّة والخلقيّة للطفل ينبغي أن تتميّز بخصائص فنيّة وتربوية تلبّي رغباتهم وحاجاتهم النفسيّة والتربويّة.

الخصائص التربوية للحكاية الشعبيّة الموجّهة للطفل تتجلّى بما يلي:
أوّلاً: اعتماد النصّ الموجّه للطفل على مستويات عدّة، هي:
• الفكرة: يجب أن تراعي الخصائص العمريّة للطفل، وتُطرَح بطريقة بعيدة عن التلقين وأن تتضمّن العديد من القيم مثل (الحب- الخير- التعاون – الصدق).
• توافق الحوار مع الشخصية المؤدّاة: يجب أن تُقدَّم بجمل قصيرة وذات إيقاع مرح يتناسب مع طبيعة الطفل.
• التنوّع في طرح الشخصيات
• اختيار المؤلّف حكايات قريبة من الطفل: كاستثمار الحكايات التي تكون فيها شخصيّات من الكائنات الصغيرة المخلصة والصالحة الذين يدافعون عن أرضهم ووطنهم ضدّ الأشرار(النحل – النمل – الفراشات).
• اختيار الحكاية التي تتوافر فيها عنصر الإثارة والتشويق والتي تعتمد أيضاً على حبكة دراميّة تعتمد البداية والوسط والنهاية، مع وضوح عناصر الدراما بأسلوب مرح فكاهيّ.
ممّا سبق يمكننا القول: بأنّه على الرغم من أنّ الأطفال يحيط بهم وميض شبكة الإنترنت وألعاب الفيديو إلّا أنّ الحكاية الشعبيّة لها أثر كبير عليهم إذا رويت على مسامعهم بطريقة جذّابة، وبالأخص عندما تُستهلُّ الحكاية بــــ “كان يا ما كان في قديم الزمان في سالف العصر والأوان”, ولما تتضمّنه هذه الحكايات من فكرة ومغزى وخيال وأسلوب ولغة وفنّ تتوافق وطبيعة الطفل.
تسهم حكاياتنا الشعبيّة باعتبارها فنّاً من فنون أدب الأطفال في نموّهم العقليّ والثقافيّ والنفسيّ والاجتماعيّ والأخلاقيّ، ويلبي حاجاتهم الجسميّة والعاطفيّة، ولها فوائد لا تحصى.
من أهم فوائد الحكاية الشعبيّة:
1- تُمتِّع الطفل وتلبّي حاجاته النفسيّة، فالطفل عندما يراقب الحكاية ومجريات أحداثها يبحث عن متنفّس لما يحسّه، ويخلق حالة انسجام شعوريّ مع تلك الأحداث.
2- تساعد على اكتساب الكثير من المعلومات التي تسهم في غرس القيم والمبادئ الخلقيّة السليمة التي تساهم في تربيته وتوجيهه (النجاح مقابل الفشل- الكذب مقابل الصدق).
3- تدعم لديه مفهوم الذات والصورة الذهنيّة لمكوّنات البيئة من حوله حيث تساعده على توسيع آفاق الطفل وإطلاق العنان لخياله وأفكاره ليتابع أحداث الحكاية وتسلسل أحداثها، ممّا يطور لديه قدرة التفكير والتخيّل.
4- تعطي فرصة للاستمتاع والاستيعاب والمشاركة في نقاش جماعيّ بينه وبين أقرانه والراوي حول أحداثها وموضوعاتها ممّا يساعده على خلق التوازن الاجتماعيّ.
5- تمنح الطفل فرصة لسرد وقصّ ما سمع وفهم من الحكاية بطريقته الخاصّة عندما يحين دوره ليقصّ حكاية فهمها واستوعبها، الأمر الذي يساعده على الحفظ والاستظهار في المرّات القادمة.
من خلال ما سبق نجد الحكاية الشعبيّة ما تزال تؤدّي دورها في إثراء المعرفة البشريّة من خلال تصويرها أحداث الحياة وانتقالها عبر الأجيال، فهي ضرورة حيويّة لاستمرار الموروث الشعبيّ، ومن خلالها نتعرّف مضامين اجتماعيّة وثقافيّة مهمّة تسهم في توسيع مدارك الطفل وتنمية مواهبه، بالإضافة إلى الرسالة التربويّة التي تحملها الحكايات الشعبيّة بين طياتها فلا تخلو أي حكاية من قيمة أخلاقيّة أو اجتماعيّة تهدف إلى غرس الطباع الإيجابية والقيم في نفس الطفل.

وللحكاية الشعبيّة خصائص تعليميّة كبيرة، تعمل على ترسيخ قيم ومبادئ لدى الطفل، تتميّز عن باقي الأنواع الأدبيّة الأخرى، من هذه الخصائص:
1- موضوعاتها تكاد تقتصر على العلاقات الاجتماعيّة والأسريّة.
2- البطل في الحكاية الشعبية يلجأ إلى الحيلة والفِطنة للخروج من مأزقه والتغلّب على الأعداء.
3- بنية الحكاية الشعبيّة بسيطة تسير في اتجاه خطيّ واحد وتحافظ على التسلسل المنطقيّ للأحداث.
4- تتسم الحكاية بجانب تثقيفيّ إلى جانب ما توفّره من متعة فهي تقوم بالتفسير والتحليل والشرح، ممّا يجعل المتلقي يعمل على فكّ المعنى والبحث عن المغزى المقصود فيها.
5- تأخذ الحكاية الشعبيّة أسلوب الشكل المفتوح الذي يترك فيه الراوي مطلق الحريّة في الإضافة والحذف بما يتلاءم مع قدرته على السرد وحسب مستوى الجمهور الذي يستمع لأحداثها.
6- الحكاية الشعبيّة هي جنس أدبي متوارث عبر التاريخ وليست ابتكار لحظة أو موقف بل انتقلت من جيل إلى جيل سواء كانت مدوّنة أو منطوقة.

7- الحكاية الشعبيّة قصّة ينسجها الخيال الشعبيّ منها نصّ شبه ثابت وقسم آخر متحوّل يتغيّر بحسب ظروف الراوي أو الزمان الذي يعيش فيه.
وأخيراً إنّ الحكاية الشعبية هي الوسيلة التي تعيد الأطفال من جديد إلى عالم الأحلام, والبعد عن العالم الافتراضيّ, خصوصاً في الدقائق القليلة قبل النعاس حيث أنّ حكاية قبل النوم هي سبيلنا حتى لانترك أطفالنا فريسة سهلة لمخالب التكنولوجيا التي سيطرت على عقولهم…. فهيّا بنا لنلتقي بالماضي ولنسافر عبر العصا السحريّة ونلتقي مع الحلم والحقيقة ونبحر في الواقع إلى الخيال.

المراجع:
1- الشريف, ريم. الحكايات الشعبيّة ودورها في بناء ثقافة وطنيّة عربيّة, كلية الآداب والعلوم الإنسانية. جامعة القيروان. تونس.
2- النبلاوي, عيدة.2015. فؤاد. الحكايات الشعبيّة العمانيّة ودلالتها الاجتماعيّة والثقافيّة دراسة أنثربولوجيّة. جامعة السلطان قابوس. عمان.
3- بن كتيلة, فتيحة .2020 -دور الحكاية الشعبيّة في التربية الخلقيّة لدى الطفل مجلّة بحوث .العدد 31 ,الجزائر.
4- حسن, مجدي مرعي.2022. أدب الطفل والجمهوريّة الجديدة – أدب الأطفال, عدد24.