التعلّق لدى الطفل (مفهومه، مراحل تطوّره، العوامل المؤثّرة فيه)

يعدّ التعلّق شكلاً من أشكال العلاقات الحميمة بين الطفل ومقدّم الرعاية، وأقوى رابطة انفعاليّة عاطفيّة  تجمعهما، وتُنسج هذه الرابطة منذ الأسابيع الأولى لتصبح أكثر تميّزاً ووضوحاً تدريجيّاً مع نموّ الطفل.

قدّم جون بولبي Bowlby J. لأوّل مرة  تجربة على رُضَّع القردة على خلفيّة أعمال السلوكي هارولد التي قام بها على القردة، هدفت إلى الكشف عن العلاقة الارتباطيّة بين الرضيع والأمّ، وتمثّلت التجربة في تفرقة الرُضَّع القردة عن أمهاتهم البيولوجيّة عند الولادة مباشرة ووضعهم وحيدين في أقفاص بحيث توجد أمّ على شكل دمية.

زُوِّدت الأمّ الأولى بخيط من حديد له رضّاعة،  بينما الأمّ الثانية مزوّدة بغطاء مكسوّ بالفرو، والنتيجة أنّ الرُضَّع هرعوا نحو هذه الأخيرة حيث فضّلوا الاتصال وحرارة الغطاء المكسوّ بالفرو على الحاجة البيولوجيّة المتمثّلة بالغذاء وبالتالي طوّر بولبي مفهوم التعلّق بصفة تتعارض مع الطرح السيكولوجيّ القائل بأنّ الارتباط بالأمّ هدفه إشباع الحاجات البيولوجيّة، معتبراً بأنّ التعلّق يُشبع بُعدَين لدى الرضيع البعد البيولوجيّ المتمثّل في تلبية الحاجات والبعد النفسيّ المتمثّل في البحث عن الأمان.

تعريف التعلّق:

يُعرَّف التعلّق على أنّه ارتباط عاطفيّ ينشأ بين شخص وآخر، أو بين الناس مع بعضهم البعض، وتحت ظرف التواجد في إطار مكانيّ واحد شريطة أن يدعم هذا الارتباط عبر الزمن، لذا تُعرَّف سلوكيّات التعلّق في الطفولة على أنّها تلك الأفعال التي يقوم بها الطفل نتيجة لما يكتسبه من خلال التصاقه بمَنْ يتولّى رعايته وحضانته.

ويمكن تعريفه أيضاً: بأنّه الرابطة الانفعاليّة القويّة التي تؤدّي إلى شعور الطفل بالسعادة والفرح والأمن عندما يكون بالقرب من مقدّم الرعاية، والشعور بالتوتّر والانزعاج عندما ينفصل بشكل مؤقّت عنهم.

مراحل تطوّر التعلّق العاطفيّ:

يبدأ الطفل بتنمية تعلّق خاصّ بالناس المألوفين في عالمه، ويشمل التعلّق الحبّ والاتكاليّة على السواء، إذ يمارس الطفل تعلّقه بالناس بالسعي للتقرّب منهم، وباستمالتهم للحصول على انتباههم واستحسانهم وبالغضب من انفصالهم عنه، وعادة ما يبدأ التعلّق بالأمّ نفسها، بالرغم من أنّ ثلث الأطفال  وفق إحدى الدراسات قد يبدأ تعلقهم بالأب، وسرعان ما ينتقل التعلّق ليشمل أقارب الاسرة وأصدقائها. ويمرّ التعلّق بمراحل عدّة تتوضّح بالآتي:

أوّلاً: ما قبل التعلّق:

هي المرحلة العمريّة للرضيع التي تتراوح ما بين الولادة وستّة أسابيع، وتمثّل بالنسبة للرضيع عدم القدرة على التمييز الاجتماعيّ، وقلّة الاستجابات المتمايزة نحو مقدّم الرعاية.

ثانياً: تكوين التعلّق:

تمتدّ هذه المرحلة من ستّة أسابيع إلى ثمانية أشهر، وتتميّز بظهور قدرات جديدة عند الطفل، حيث يكون قادراً في هذه المرحلة على التمييز بين الأشخاص المألوفين ويستجيب للأمّ بشكل مختلف عن استجاباته للأشخاص الآخرين.

ثالثاً: التعلّق الواضح:

تمتدّ هذه المرحلة ما بين ثمانية أشهر وسنتين، يسعى فيها الطفل إلى البقاء وطلب القرب من الأمّ، ويظهر لديه قلق الانفصال عن الأمّ فيبكي ويصرخ عند مغادرتها، والقلق من الأشخاص غير المألوفين أو ما يسمّى بالقلق من الغرباء.

رابعاً: مرحلة تشكيل العلاقات التبادليّة:

هذه المرحلة تظهر لديه بعد السنة الثانية، حيث يحدث تطوّر سريع في الجوانب اللغويّة وقدرته على الحوار والمناقشة، وفهم العوامل المسؤولة عن حضور الأم وغيابها.

تتّسع دائرة العلاقات الاجتماعيّة عند الطفل، ويتعلّم المعايير الاجتماعيّة، وكلّما تقدّم الطفل في عمره الزمنيّ يقوم بتعميم هذه الاتجاهات في استجابات اجتماعيّة، حيث ينتقل الطفل تدريجيّاً من التعلّق بالأمّ إلى التعلّق بالأصدقاء والمجتمع، وتتمّ هذه الطريقة بالانتقال التدريجيّ حيث يجري التحوّل، إذاً فإنّ الطِّفل يولد ولديه حاجة فطريّة للتعلّق بالكبار.

فالطفل يجرّب علاقة وطيدة ومستمرّة مع أمه، والانفصال المطوّل عن الأمّ يمكن أن يسبّب تأثيراً معاكساً على الطفل نفسيّاً واجتماعيّاً وعقليّاً، وعندما لا تتوافر الفرصة للتفاعل مع الأمّ يتشكّل الحرمان ( العوز) من لوازم الحياة الأساسيّة أو التفاعل غير كافٍ مع الأمّ أو ما يسمّى (الحرمان المقنّع).

العوامل المؤثّرة في سلوك التعلّق:

يتأثّر سلوك التعلّق إلى حدّ بعيد بمتغيرَين اثنين: السرعة التي تردّ بها الأمّ على إشارات الصّغير، وشدّة التفاعل التي تقوم بين الطفل والأمّ. وإنّ التفاعل بينهما يشمل الغالبيّة العظمى من تجربة الطِّفل اليوميّة ويحدث هذا التفاعل في لحظات هامّة جدّاً بالنسبة للطفل كفترات الغداء أو اللعب أو الانفراج، إنّ ذلك لا يعني أنّ علاقة الأمّ بالطفل هي وحدها المهمّة.

ويمكن القول بأنّ استجابات الأمّ التي توفّر لصغيرها  تشكّل علاقة آمنة معه، عندما تكون أكثر حساسيّة وإصغاء للإشارات الصادرة عن صغيرها، فالأمّ التي تتجاهل تعابير طفلها وإشاراته أو تستجيب متأخّرة لهذه الإشارات لا توفّر لطفلها مثل هذه العلاقة الآمنة، حيث لا يعرف الطفل ما يمكن أن ينتظر منها، ممّا يخلق في نفسه مشاعر القلق والاضطراب، لأنّ العلاقة بين الأمّ والطفل تُعدّ ركيزة أساسيّة في النمو الاجتماعيّ والانفعاليّ المبكّر عند الطفل، وتجدر الإشارة إلى أنّ الأحداث التي تجري خارج دائرة الأم والطفل مثل حضور الأب أو حضور مُعيل آخر يقدّم الدعم والمساعدة للأمّ، ويؤثّر في خصائص التفاعل المتبادل بين الأمّ والطفل، فمن غير الحكمة النظر إلى علاقة الأمّ بالطفل دون الأخذ بعين الاعتبار الإطار الاجتماعيّ الانفعاليّ الذي يحتوي هذه العلاقة، والبيئة التي تُحدث التفاعل بين الطرفين.

المراجع:

أبو عربش، أريج.(2010).التعلّق العاطفيّ لدى أطفال ما قبل المدرسة وعلاقته بالخوف من وجهة نظر الأمّهات. رسالة ماجستير. جامعة القدس. القدس فلسطين.

سعديّة إكرام ورجاء، ناصر. (2023). نمط التعلّق لدى الذين يبدون بعض المشكلات السلوكيّة. جامعة قاصدي مرباح ورقلة. الجزائر.

حورية وفتيحة، مزيان. كركوش (2016). التعلّق مفهومه أنماطه وتأثيره على شخصيّة الفرد. المجلّة الجزائريّة للطفولة والتربية. الجزائر.

نعيمة، الوهيب. (2022). أنماط التعلّق وعلاقتها بالتوافق الشخصيّ والاجتماعيّ في مرحلة الطفولة من وجهة نظر الأمّهات. كليّة التربية. جامعة أسيوط. مصر.

_______________________