الرضاعة الطبيعيّة: وقاية صحيّة مستدامة
تشكّل الرّضاعة الطبيعيّة أحد أهمّ العوامل التي تعزّز صحّة الأطفال والأمّهات، حيث يُعَدُّ حليب الأمّ الغذاء الأمثل للرضيع، لأنّه يحتوي على العناصر الغذائيّة اللازمة لنموّه حتّى الشهر السادس. لذلك توصي منظمّة الصحّة العالميّة بالاقتصار على حليب الأمّ كمصدر رئيسيّ لتغذية الرضيع منذ ولادته حتّى الشهر السادس على الأقلّ، ونظراً لأهميّة الرضاعة يحيي العالم الأسبوع العالميّ للرضاعة في الأسبوع الأوّل من شهر آب، سنتعرّف في هذه المقالة على أهميّة حليب الأمّ للطفل والأمّ والمجتمع.
فوائد الرضاعة الطبيعيّة المُطلقة:
يُعتبَر حليب الأمّ سائلاً حيّاً، فهو أكثر من غذاء وتركيبه يتغيّر بحسب عمر الرّضيع واحتياجه، ويتضمّن كلّ السوائل والعناصر الغذائيّة التي يحتاجها الطفل في الأشهر الأولى من حياته، بالإضافة إلى العديد من العوامل المهمّة كالعوامل المناعيّة التي تساعد على تطوّر جهاز المناعة، وعوامل النموّ الضروريّة لإكمال نموّ الأجهزة العصبيّة والهضميّة والمناعيّة للطفل.
سنعرض فيما يلي فوائد الرضاعة الطبيعيّة على كلّ من الطفل والأمّ، إضافة إلى الفوائد الاقتصاديّة للعائلات والمجتمعات.
أوّلاً: فوائد الرضاعة الطبيعيّة للطفل:
1- تمدّ الرضيع الصغير بغذاء كامل، لأنّ حليب الأمّ يحتوي على أنواع عديدة من البروتينات والدهون المناسبة للطفل وبالكميّات الملائمة، ويتضمّن نسبة عالية من السكّر الذي يحتاج إليه جسم الطفل، وفيتامينات تكميليّة وخاصّة فيتامين (ج) وكميّات مناسبة من الأملاح والكالسيوم والفوسفات وأخرى بسيطة وملائمة من الحديد بحيث تستطيع أمعاء الطفل امتصاصها، في حين أنّ الحليب الاصطناعيّ والحليب البقريّ يحتويان هذه المواد إلّا أنّها لا تمتصّها أمعاء الطفل بسهولة ممّا يعرضه لسوء التغذية.
2- تقوّي الرضاعة الطبيعية نظام المناعة لدى الرضيع، وتمنع حدوث العديد من الالتهابات، كما تقلّل من تعرّض الرضيع للعدوى لأنّ حليب الأمّ نظيف وخالٍ من البكتيريا، وحليب اللبأ يحتوي على أجسام مضادة للكثير من أنواع العدوى الشائعة، ويتضمّن أنزيمات ويساعد أيضاً على قتل الطفيليّات المعويّة ممّا يحمي الرضيع من الإسهالات الطفيليّة. ويخفّف من التقيؤ والمغص، ويساعد على التخلّص من البراز بسرعة بفضل كميّة المسهلات التي يحتويها وبالتالي يقلّل من نسبة الاصفرار (اليرقان).
3- تزوّد الطفل المريض بالسوائل الضروريّة والمكوّنات الغذائيّة اللازمة، وخصوصاً الأطفال الذين يعانون من أمراض الإسهال.
4- تساعد الطفل على بناء علاقة ارتباط آمن مع أمّه، وهي أهم مصادر شعوره بالأمان.
ثانياً: فوائد الرضاعة الطبيعيّة بالنسبة للأمّ:
1- تساعد الأمّ على العودة إلى شكلها ووزنها السابقَين قبل الحلّ والولادة وحتّى الصدر يعود إلى شكله وحجمه الطبيعيّ قبل الحمل، كما أنّ الرحم يعود إلى حالته الطبيعيّة لأنّ الرضاعة الطبيعيّة تؤدّي إلى إفراز هرمونات أنثويّة تساعد على ذلك.
2- تقلّل من مخاطر النزف الزائد بعد الولادة.
3- تقلّل من مخاطر الإصابة بسرطان الثدي والمبيضَين وهشاشة العظام.
ثالثاً: فوائد الرضاعة المطلقة للأسرة والمجتمع:
1- تعفي العائلات والمجتمع ممّا يترتب على نفقات طبّية (إذ تمنع الرضاعة الطبيعيّة الأمراض وتقوّي المناعة).
2- وسيلة لتنظيم الأسرة وممّا يؤثّر ذلك إيجاباً في السياسات السكانيّة.
3- توفير الوقت والجهد والمال على الأسرة والمجتمع فحليب الأم متوفّر دائماً ولا يحتاج إلى نفقات أو وقت لإعداده.
إضافة إلى الفوائد السابقة: تسهم الرضاعة الطبيعيّة المطلقة في المباعدة بين الولادات، ممّا يخفّف من نسبة وفيات الأطفال حديثي الولادة وتوفير فرصة أفضل لرعايتهم.
بعض التساؤلات التي تتكرّر من الأمّهات:
تتكرّر بعض الأسئلة من الأمّهات، وقد تلجأ بعضهنّ إلى مصادر غير موثوقة وغير علميّة للإجابة على أسئلتهنّ، سنورد فيما يلي أجوبة لبعض الأسئلة الأكثر شيوعاً:
أوّلاً: هل تستمرّ الأمّ في الإرضاع عند إصابتها بالمرض:
نعم، يجب الاستمرار في إرضاع الطفل من الثدي في حالة المرض لأنّ هذا لن يؤثّر على صحّة الأمّ أو صحّة ابنها، كما أنّ حليب الأم سيوفّر للطفل الحماية الكافية من الإصابة بالعدوى، وفي حال تعذّر الإرضاع يجب أن تقوم الأم بعصر الثدي فتحافظ بذلك على إنتاج الحليب وتستطيع الإرضاع مرّة أخرى وبأسرع وقت ممكن.
ثانياً: هل تستمرّ الأمّهات في الإرضاع في حالة الحمل المتقارب؟
يمكن في حالة الحمل الاستمرار في الرضاعة، بشرط الحصول على التغذية المناسبة المتكاملة من الطعام مقسّمة على عدد وجبات أكثر، فحليب الأم ما يزال أفضل طعام للطفل كما أنّ الرضاعة لن تضرّ الجنين ولنّ تؤثّر في نموه.
ثالثاً: كيف تعرف الأم إذا كان طفلها يحصل على كميّة كافية من الحليب؟
هناك مجموعة من المؤشّرات التي تدلّ على أنّ الطفل يحصل على كميّة كافية من الحليب:
1- صحّة الرضيع: زيادة وزن الطفل مؤشّر جيّد على أنّ الطفل يأخذ كفايته من الحليب. في الأسبوع الأوّل من الولادة يفقد الرضيع ما يقارب ال10-5 %من وزنه، وبعد ذلك يبدأ تزايد الوزن بشكل تدريجيّ 20-35 غراماً/يوميّاً في الأشهر الأولى في حال الرضاعة الطبيعيّة الجيّدة.
2- عدد الحفاظات خلال اليوم: الطفل الذي يحصل على كفايته من (1- 3) حفاظ مبلّل بالأيام الأولى، (3-5) حفاظات مبلّلة من 3-4 الأسابيع الأولى وحتّى ال 6 شهور.
3- براز الطفل: لا يُعدُّ البراز مؤشّراً مباشراً على تغذية الطفل، ولكن عادةً يكون ليّناً، وأصفر اللون ويتكرّر من (3-4) مرّات في اليوم خلال الأسابيع الأولى.
4- عدد مرّات الرضاعة: يرضع معظم الأطفال طبيعيّاً 8 مرّات على الأقلّ في غضون 24 ساعة (ليلاً ونهاراً).
وهناك علامات أخرى تدلّ رضاعة الطفل بصورة جيّدة:
– يكون فم الطفل رطباً وزهريّ اللون.
– يكون الطفل يقظاً ونشطاً، وعندما يترك الطفل الثدي تبدو عليه علامات الارتياح والنعاس.
– يكون الثدي ليّناً وأقلّ امتلاءً بالحليب بعد الرضاعة الطبيعيّة.
التشجيع على الرضاعة الطبيعيّة في سورية:
أوّلاً : سن القوانين والتشريعات التي تدعم الرضاعة الطبيعية:
انطلاقاً من مبدأ المصلحة الفضلى للطفل حيث تُعدّ الرضاعة الطبيعيّة من صميم مصلحة الطفل، وخاصّة بعد ما أثبتته الدراسات الطبيّة من فوائد تنعكس على نموّ الطفل وتطوّره، أكّد دستور الجمهوريّة العربيّة السوريّة في المادة العشرون منه على حماية الطفولة والأمومة، كما أكّد قانون حقوق الطفل رقم (21) لعام 2021م في الفصل الرابع المتعلّق بالحقوق الصحيّة في المواد (20- 21-22)على أنّ لكلّ طفل ٍحقّ الرضاعة على والدته المتمتّعة بالأهليّة الصحيّة، وأنّ الدولة تعمل على توعية الأمّهات وتشجيعهنّ على الرضاعة الطبيعيّة، وتحظّر الترويج والإعلان عن حليب الطفل وأغذيته الصناعيّة كبديل أفضل عن الرضاعة الطبيعيّة، أمّا بالنسبة للأمهات العاملات فقد كفلت الدولة حقّ الطفل في منح والدته إجازة أمومة بكامل الأجر ومنح القانون رقم (50) لعام(2004) للعاملين في الدولة في المادة (53) منه الأمّ ساعة إرضاع خلال الدوام حتى يكمل وليدها السنة من عمره.
ثانياً: حملات وزارة الصحة للتوعية بأهمية الرضاعة الطبيعيّة:
توفّر وزارة الصحة الاستشارات للنساء من حوامل ومرضعات حول كلّ ما يتعلّق بالإرضاع الطبيعيّ وأهميّته لضمان صحّة الطفل والأمّ، وذلك عبر جلسات فرديّة وجماعيّة تقدّمها عيادات الترصّد التغذويّ، التي يبلغ عددها نحو 1000 عيادة موزّعة بمختلف المراكز الصحيّة بالمحافظات.
وممّا تقدّم نجد بأنّ الرضاعة الطبيعيّة هي من أهمّ الركائز الأساسيّة لصحّة الأطفال والأمّهات على حدّ السواء، وتمتّدّ لتشمل المجتمع الذي يجب بدوره أن يقدّم دعماً اجتماعيّاً وثقافيّاً لتوعية الأمّهات على أهميّة الرضاعة الطبيعيّة ممّا يسهم في بناء أجيال صحيّة وقويّة.
المراجع:
1- قانون حقوق الطفل.رقم(21).الذي أقرّه مجلس الشعب بجلسته المنعقدة في 15/7/2021م. والمنشور في الجريدة الرسميّة بتاريخ 15/7/2021م.
2- القانون رقم (50) لعام(2004). نظام العاملين الأساسي في الدولة.
3- الدستور السوريّ. الذي أقرّه الشعب بالاستفتاء الجاري بتاريخ 29/2/2012م.
4- يونسيف.(2017).تشجيع الرضاعة الطبيعيّة المطلقة. الهيئة السوريّة لشؤون الأسرة، سورية.
المراجع الإلكترونيّة:
1- الاتفاقيّة الدوليّة لحقوق الطفل الأمم المتحدة.(1989).https://www.un.org
https://sana.sy/?p=19418202 -2 الوكالة العربيّة للأنباء سانا (1/8/2023م).