عاداتُ العقلِ لدى الطفل….. نشاطٌ ذهنيٌّ خلّاق

خاضتْ مجالات علم النفس والتربية مفاهيم علمّية عدّة، أذكتْ من أهدافها ودعّمتْ تطويرها المستدام، ومن هذه المفاهيم الحديثة مفهوم (عادات العقل) الذي ظهر في العقد الأخير من القرن الماضي، وأصبح يُعدُّ استراتيجيّةً ذهنّيةً تنظّم عمل العقل وآلياته وتضبط سلوك الطفل وأفعاله، كما دعت أساليب التربية الحديثة لأن تكون العادات العقليّة هدفاً رئيساً في مراحل التعليم جميعها بدايةً من مرحلة التعليم ما قبل المدرسة.
وعُرف مفهوم عادات العقل: بأنّه أنماط السلوك الذكي التي تدير العمليّات العقليّة التي يستخدمها الطفل وتنظمها في بناء المعرفة وحلّ المشكلات.
وكما يُعرف أيضاً بأنّها: الاتجاهات العقليّة وطرائق التصرّف لدى الطفل التي تعطي سمة واضحة لنمط سلوكياته، وتقوم هذه الاتجاهات على استخدام الطفل للخبرات السابقة والاستفادة منها للوصول إلى الهدف المطلوب.
الفرق بين العادة السلوكيّة والعادة العقليّة:
ينبغي التعامل مع مفهوم (العادة العقليّة) كوحدة متكاملة ومتناسقة، دون الفصل بين شقّين( (العادة/العقل) وذلك لأنّ الفعل الإنسانيّ محكوم بالإرادة والوعي والتعقّل والتفكير، أمّا إذا تراجع العقل والوعي وانفصل عن الفعل صار عادةً سلوكيّة نمطيّة، تفتقد إلى التجديد وإمكانيّة التصويب والتحديث.
فالعادة نمط سلوكيّ متكرّر، وغالباً ما تفتقد إلى الوعي وحضور العقل بحيث يمكن حدوث الفعل بشكل نمطيّ رتيب لا جديد فيه، بل قد يقع صاحب العادة في خطأ دون أن يدري ذلك. فمثلاً تعوّد الطفل للذهاب إلى المَرسم لا يُغني عن ضرورة التفكير والتدبير فيما يُقال ويُعطى من تعليمات وإرشادات، قد يكون الرسم أفعالاً حركيّة لا تدبُّر فيها، وقد ينتهي الرسم، ولا يتذكّر الطفل ماذا قالت المعلّمة وكم لوناً استخدمت، بينما حضور العقل مع الفعل أثناء الرسم يُتيح للطفل تحقّق التدبّر بالألوان والتمعّن بمساحات الرسم ومنظورها والفهم والتَأثّر باللوحة ودلالاتها، فالرسم في الحالة الأولى يُمثّل عادة سلوكيّة، أمّا في الحالة الثانية فيمثّل عادة عقليّة، لأنّها مصحوبة باستراتيجيّات ذهنيّة وتغيّرات معرفيّة وتوجّهات فنيّة، ومن ثمّ تغيّرات سلوكيّة وظيفيّة.
الأهميّة التربويّة لمفهوم (عادات العقل):
إنّ من أهمّ الملامح المؤهّلة لدخول عصر العولمة تعوّد الطفل ممارسة العادات العقليّة في المواقف جميعها التي يواجهها في حياته اليوميّة التي تؤثّر في كلّ ما يقوم به، فلا فائدة من تعليم الطفل محتوى معيّن دون أن يتعلّم أهميّة السعي لتحقيق الدقّة والتفكير النقديّ وغيرها من عادات العقل.
ويؤكّد تيشمان Tishman على أهميّة تعليم الطفل عادات العقل، ويرجع ذلك إلى أسباب عدّة، منها:
– عادات العقل تقوم على الذكاء وتركّز على الشخصيّة والمهارات المعرفيّة، حيث تعترف بأهميّة الحساسيّة التي تشكّل سمة رئيسيّة من سمات السلوك الذكي. وتضمّ عدداً من الأدوار المختلفة التي تؤدّيها العواطف في التفكير الجيّد.
– تشكّل مجموعة من السلوكيّات الفكريّة التي تدعم الفكر النقديّ والإبداعيّ، ضمن الخبرات المنهاج وغيرها.
وعليه فإنّ عادات العقل تهدف إلى أن يكون الطفل مبدعاً خلّاقاً وإنساناً في جوهر الأمر، حيث تؤكّد بصورة عامّة على حبّ الاستطلاع والإبداع ومرونة وطرح المشكلات، كما أنّها تتسم باحترام الميول الخاصّة، والفروق الفرديّة والعواطف، وتراعي الحساسيّة الفكريّة والنظرة التكامليّة للمعرفة، ولاشكّ بأنّ كلّ ذلك يدفعنا إلى تدريب الطفل على مثل هذه العادات العقليّة لزيادة قدرته على الفهم وتنظيم السلوك والتعليم بطريقة إبداعيّة، إضافة إلى القدرة على حلّ المشكلات والتكيّف مع البيئة المحيطة، بمعنى إعداده لمواجهة تحدّيات المستقبل.

المداخل الأساسيّة لتنمية (عادات العقل) لدى الطفل:
يمكن إجمال الأساليب والطرائق لتنمية عادات العقل لدى الطفل بـــ:
– استخدام القصص عن حياة الشخصيّات الخاصّة، فقد أشار بلوم Bloom إلى أنّ القصص والحكايات تُعدّ من الأساليب التي يمكن عن طريقها تمرير القيم والأفكار الهامّة للطفل.
– المشكلات والألغاز التي تلعب دوراً هامّاً في تدريب العادات العقليّة وتعزيزها لأنّها قوّة دافعة تحرّك الطفل نحو التعامل معها ومحاولة حلّها.
– الحوار والمناقشة وطرح الأسئلة، حيث يمكن تنظيم حلقات نقاش جماعيّ وطرح الأسئلة ومحاولة الإجابة عنها.
– الاستماع إلى الآخرين وانفتاح على آرائهم فهي تعمل على اكتساب سلوكيّات جديدة.
– العصف الذهنيّ لأنّ إتاحة الفرصة للطفل لطرح الأفكار التي تدور في عقله ومحاولة تفسيرها ومعالجتها يعزّز عادات العقل لدى الطفل.
– أسئلة التنبّؤ والتعميم التي تعدّ من أهمّ أنواع الأسئلة التي تثير خيال الطفل وتدفعه نحو التفكير بطريقة إبداعيّة.
خصائص البيئة الداعمة لتنمية عادات العقل لدى الطفل:
يمكن إجمال خصائص البيئة الداعمة في أمور عدّة:
– أن تكون مصدراً للدعم العاطفيّ والإيجابيّ.
– أن توفّر جوّاً خالياً من التوتّر والضغط.
– تقدّم للطفل تحديات مبتكرة على ألّا تكون شديدة السهولة ولا شديدة الصعوبة بالنسبة لمرحلة النموّ التي وصل إليها الطفل.
– تنمّي المهارات المختلفة للطفل (العقلّية، الاجتماعيّة، العاطفيّة)
– تسمح للطفل بتركيب علاقات جديدة بالاعتماد على المعارف المُسبقة الموجودة لديه.
ممّا تقدّم فإنّ البيئة الداعمة لعادات العقل هي بيئة تحتوي فرصاً كبيرةً في حال توفّر فيها السلوكيّات والأدوار الملائمة لترجمة عادات العقل إلى أفعال متداولة بصفة يوميّة.
دور المربية في تنمية (عادات العقل) لدى الطفل:
يتجلّى دور المربية بالآتي:
– الإيمان بأنّ الأطفال جميعهم قادرون على التفكير.
– إيجاد بيئة تعليميّة آمنة خالية من التهديد والخطر.
– إعداد بيئة تعليميّة غنيّة بالمُثيرات.
– عرض الأنشطة التي تنمّي العادات العقليّة بطريقة متناسقة مع المستوى الذهنيّ للطفل.
– مساعدة الطفل على فهم ماهيّة عادات العقل.
– توفير الدعم الإيجابيّ للطفل الذي يُظهر تجاوباً فعّالاً مع عادات العقل.
– توفير جوّ من المنافسة وإتاحة الفرصة للطفل للاشتراك في صنع القرار.
– أن تكون المربية بمثابة القدوة الحسنة، فالطفل يتعلّم بالنمذجة أكثر من تعلّمه بالكلام وخاصّة طفل الروضة، لذلك على المربية أن تكون نموذجاً للأداء الذكي أمام الطفل.
وقد صنّف مارا زونو Marazono وزملاؤه مكوّنات العادات العقليّة في ثلاث مجموعات هي (التفكّر والتعليم في تنظيم الذات، التفكير الناقد، التفكير والتعليم الإبداعيّ).

المراجع:
– حسّونة، هبد، حنفي، أمل ومنى وأسماء( 2019) فعّاليّة برنامج إرشادي لتنمية بعض عادات العقل لدى أطفال الروضة ذوي صعوبات التعليم. المجّلة العلمية لكلية رياض الأطفال، جامعة بور سعيد. مصر.
– قطامي، ثابت. يوسف و فدوى( 2009) عادات العقل لطفل الروضة بين النظرّية والتطبيق. عمان. ديبونو للطباعة والنشر.
– المطرفي، غازي (2019). أثر برنامج تدريبيّ مستند إلى عادات العقل في تنمية التفكير الإبداعيّ وفهم طبيعة المسعى العلمي والاتجاه نحو هذه العادات لدى الطلاب معلّمي العلوم بجامعة أم القرى. مركز بحوث العلوم التربويّة والنفسيّة. مجلّة جامعة أم القرى للعلوم التربويّة والنفسيّة. المجلّد 10. عدد 2.
المراجع الأجنبيّة:
Tishman, S. (2000). Why teach Habils of Mind in Costa, A. and
kellick, B (Eds.) Discovering and Exploning Habits of Mind
Association for supervision and curriculum Development
Alexandria, Victoria USA