أين أطفالنا من هويتهم الثقافية ؟

بقلم الباحثة ياسمين عيود

حقيقة أكثر ما آلمني لدى تصفحي العديد من الكتب والمقالات التي تتحدث عن الهوية الثقافية هو محاولة الكثير من الدول مجابهة هذا المد المتفشي للعولمة وهيمنة ثقافة الدول الأقوى ….بينما لا نزال كدول عربية نقبع تحت مظلة الآخر ونتطبع به دون أن نأتي بأية حركة ذات فعالية لمجابهته ….

وإذا ما سلطنا الضوء على وضع الطفولة في أرجاء العالم العربي نستدل على مدى اختراق هوية الطفل العربي بدءاً من وسائل الإعلام المتنوعة والتي يشكل التلفزيون أبرزها أو الالعاب الالكترونية أو الانترنيت وانتهاءاً بالمناهج التربوية … وأن إمكانية الصد الثقافي المقابل لاتقوى على المجابهة والتحدي ومثل هذا يشكل خطراً داهماً لمستقبل الطفل العربي ومحاولة اجتزائه من محيطة الثقافي باتجاه التغريب.
وفي الحقيقة إن التأكيد على خطورة وحساسية هذا الموضوع ليست عبثية بل تؤيدها الأبحاث المتنوعة فقد أثبتت غالبية الدراسات أن الفرد يبدأ في إدراك هويته في سن مبكرة، وأن السن الطبيعي لإدراك الطفل لهويته القومية تبدأ ببلوغه (6-7) سنين، ويزداد إدراكه بتقدم عمره ، وبالتالي يمكن إكساب الفرد الاتجاهات الإيجابية نحو الولاء للوطن في سن مبكرة .
كما أشارت دراسة أخرى إلى أن الطفل يمكنه اكتساب الاتجاهات الإيجابية نحو الولاء للوطن منذ سن السابعة ، وذلك من خلال نشاطه مع الجماعات المختلفة، ولذلك فإن قوة الانتماء تعضد الهوية الثقافية لدى أفراد المجتمع .
ومن هنا صارت المؤسسات التربوية بدءاً من الأسرة وانتهاء بالجامعة مطالبة بالحفاظ على ثقافة الأفراد المعرضة للتدهور والاندثار، وأن تعمل على التأكيد على الهوية الثقافية للمجتمع؛ لأن التربية والتعليم يشكلان حجر الزاوية في تشكيل الهوية الثقافية وفي تعزيزها والحفاظ عليها لكل شعب من الشعوب ، لذلك فإن الدول تتخذ التعليم كأداة أساسية لتربية أبنائها منذ الصغر علي المبادئ والأفكار والأيدلوجيات التي تشكل في النهاية الهوية الثقافية للمجتمع .

وهذا ما أشار إليه “محمد عابد الجابري” ليبين وضع أطفال العالم في ظل العولمة التي تعمل على تقويض الهوية الثقافية، حيث ينقسمون الى ثلاث فئات هم:
أطفال الأغنياء: الذين يعيشون في وضعية (اللاانتماء ) يكبرون بلا جذور ,ولا يحملون أي هوية وطنية,ولا يشعرون بالانتماء الاجتماعي,وطنهم هو المنتجات والسلع ذات العلامات أو( الماركات )الرفيعة المشهورة,ولغتهم هي لغة الرموز العالمية ,أنهم يدربون على الاستهلاك والثقة في الماكينات أكثر من الأشخاص ومن الناحية الأخرى وهم في سيارتهم يكتشفون المخدرات الباهظة لتخدير وجودهم! .
أطفال الطبقة الوسطى: وهؤلاء يتظاهرون بأن لديهم أكثر مما هو عندهم بالفعل وهم يعانون مضللين ويخفون حاجتهم الحقيقية .
أطفال الفقراء: وهؤلاء لا يلعبون (بالليزر) كما يلعب أطفال الأغنياء ولكن بطلقات الرصاص التي تخترق أجسادهم، والمجتمع على العموم يقهرهم ولا يستمع إليهم،جذورهم في الهواء وجذور أولاد الأغنياء ليس لها وجود.كما أن هيمنة السوق في بلدان عديدة عملت على كسر روابط التضامن الاجتماعي وتمزيق الانسجام الاجتماعي .
وبالتالي في ظل هذه الظروف من اللا انتماء والضياع كان لا بد من التأكيد على أهمية الهوية الثقافية في تشكيل الشخصية الفردية والمجتمعية، وهذا ما عاد “الجابري” ليؤكد عليه حين رأى أنه ” لا تكتمل الهوية الثقافية ولا تبرز خصوصيتها ، ولا تغدو هوية ممتلئة قادرة على نشدان العالمية إلا إذا تجسدت مرجعتيها في كيان تتطابق فيه ثلاثة عناصر: الوطن( الجغرافية والتاريخ)، الدولة (التجسيد القانوني لوحدة الوطن والأمة) ، والأمة ( النسب الروحي الذي تنسجه الثقافة المشتركة)” .
فالهوية الثقافية إذاً هي حجر الزاوية في تكوين الأمم والمدخل الأساسي لتحقيق التنمية البشرية في أي مجتمع من خلال تكوين الإنسان المنتج، الواعي لقضايا أمته الراهنة، الساعي لتقليص الفجوة بين الواقع الراهن وما وصلت إليه الحضارة الإنسانية من تقدم وازدهار على مختلف الأصعدة .
والسؤال اليوم برسم كل ما سبق : أين أطفالنا من هويتهم الثقافية ؟!!!