الموسيقى في مرحلة الطفولة المبكرة
بقلم الباحثة: ميس غانم
الموسيقى لغة من لغات الجمال تشكل عالم الطفل مع غيرها من لغات الجمال الأخرى ، وهي تلعب دوراً أساسياً في تكوين شخصية الطفل وسلوكه ، وهي إذا ما وظفت بطريقة سليمة مدروسة فإنها سوف تفرز لنا جيلاً يمارس دوره بكل ثقَة وثبات. إن للموسيقى قدرة غنيّة وإمكانات تربويّة خاصة في تشكيل شخصية الطفل . كما تتميّز الموسيقى ، بقدرتها التي لا تضاهى على التأثير في ادق انفعالات الانسان والتعبير عن احاسيسه وعواطفه ومصاحبته في أغلب لحظات وجوده .
ألوان الموسيقى ودورها في مراحل نمو الطفل
يبدأ دور الموسيقى في عالم الطفل من مرحلة ما قبل الولادة أي (الطفل ما يزال جنيناً في بطن أمه )،و تصاحبه منذ الحركة الأولى حتى توقف النبض،وتساهم في تشكيل وجدان الطفل وتفكيره وسلوكه عند كل مرحلة من مراحل النمو وهذه الأدوار المختلفة والمتعددة للموسيقى في حياة الفرد تمرّ أيضاً بمراحل مصاحبة لمراحل نموه .
الموسيقى الحسيّة:
ما إن يتكون الجنين داخل رحم الأم في أشهره الأولى حتى تبدأ علاقته بالموسيقى، وذلك من خلال دقات قلب الأم المنتظمة وحركة أعضاء الجسم الداخلية، وهذا الإيقاع المنتظم لنبضات القلب يشكل توازناً عند الجنين يستجيب له وتهدأ حركاته وإذا ما اختلف الإيقاع النبضي عند الأم لأي سبب كان –فرح-حزن- فإن الطفل يتأثر تأثّراً مباشراً بهذا التغيير في
الإيقاع ويبدأ بحركات انفعالية تتناسب والإيقاع الجديد وهذا التجاوب مع أي تغيير في الإيقاع يدل على أثر الموسيقى في عالم الجنين فهو يساهم في تشكيل سكونه وحركته، ويبقى الجنين في وضع هادئ تماماً ساعة انتظام العزف النبضي وتزداد حركته مع أول تغيير تجاوباً رافضاً أو راضياً. وينمو الجنين وتنمو علاقته بالموسيقى الحسيّة وتصبح جزءاً من عالمه ويبقى تعلقه وإحساسه بالموسيقى الحسيّة وتجاوبه معها إلى مراحل ما بعد الولادة والنضج وهذا ما نلمسه جيداً عند ملاعبتنا للطفل وعناقه، ففي لحظة العناق يحس بالأمان والعطف فيميل إلى الهدوء وعند ملامسة رأسه بلطف يشعر بالمحبة الكبيرة والاهتمام الذي يرجوه من الآخرين. إن الموسيقى الحسية لا يسمعها الجنين بل يدركها حركة وإحساساً من خلال مسامات الجلد، وهذا النوع من التفاعل مع الموسيقى من أرقى أنواع الإحساس بها وأكثره تأثيراً وأصدقه عاطفة.
الموسيقى الحركية:
الطفل في أيامه الأولى للولادة يبدأ التعامل مع لغة موسيقية جديدة هي موسيقى الحركة من خلال حركة السرير وحركة إيقاع اليدين اللتين تحملانه وتهزانه بلطف وإيقاع الضربات الخفيفة على الظهر –الطبطبة- إن هذه الحركات بإيقاعاتها المنتظمة تدخل عالمه فيألفها ويتجاوب معها سلوكاً منتظماً ويرفضها مشتتة مضطربة ويعلن عصيانه على ندائها فهو
حين يطرب لحركة السرير المنتظمة ، فإننا نجده قد نام أو كفّ عن البكاء استجابة لهذا الإيقاع المنتظم ، لأنه وجد راحة كبيرة في هذه الحركات والإيقاعات المنتظمة وهي عنده لغة حنان واهتمام متوازنة مع الموسيقى الحسية التي عايشها جنيناً. إن الطفل يدرك وظيفة الموسيقى الحسية ووظيفة الموسيقى الحركية وهذا الإدراك والوعي لوظيفة الموسيقى لا يأتي مباشرة عند أول إشارة من الوالدين أو المقربين إنه نتيجة استمرار استجابة الطفل للموسيقى منذ التكوين الأول ، إنها علاقة نمت معه وسوف تنمو وتكبر وتزداد نضجاً بنضج دافعه في الاستجابة لرغبته الداخلية في حاجة معينة .
إن موسيقى الحركة هي بداية الطريق للغة موسيقية قادمة سوف
تدخل عالم الطفل وتساهم في تشكيل وعيه ووجدانه وهي بالتالي امتداد أكيد للموسيقى الحسية والحركية اللتين تأسستا لديه ورافقتا مسيرة نموه ونضجه وتفتح وعيه وإحساسه.
الموسيقى الصوتية:
يبدأ الطفل التجاوب مع الأصوات منذ امتلاكه حاسة السمع والتي تأتي مبكرة قبل حاسة النظر، ولا تبخل عليه البيئة الخاصة المحيطة به بأصوات منغمة في إيقاعاتها حسب حاجاته ومتطلباته، وحين نتحدث عن موسيقى الصوت فنحن لا نعني أبداً موسيقى الكلمات، وإن كانت الكلمات ، بحروفها وطريقة نطقها لا بدلالاتها ومعانيها ، تمثل الملامح الأساسية لهوية موسيقى الصوت وهي تدخل عالم الطفل كأصوات منغمة ذات إيقاعات وليس كمعانٍ لها دلالاتها ومفاهيمها فالطفل في هذه المرحلة لا يدرك أبداً معاني المفردات والكلمات التي تُقال حوله ويسمعها باستمرار، إنه معني فقط بموسيقى الأصوات وسوف تصبح لديه القدرة على التمييز بين الأصوات ومعرفة أصحابها وسوف يدرك بعد مدة معاني هذه الأصوات ودورها ووظيفتها، فهناك صوت منغم فيه دعوة للنوم وآخر للهدوء وآخر للطعام وهكذا .
والطفل يمتلك القدرة السريعة على الربط ما بين حاجته وموسيقى الحركة، ففي حالة الاسترخاء والحاجة إلى النوم تبدأ الأم بالغناء المبهم الكلمات أحياناً الواضح الإيقاع دائماً.