أيادي صغيرة

بقلم الباحثة أسيمة ظافر
في إحدى صباحات أيلول المفعمة بالأمل.. ذلك الأمل الجميل المنبعث من وجوه أطفالنا الذاهبين إلى مدارسهم.. وبينما كنت متوجهة إلى عملي وأثناء توقفي عند إحدى الاشارات المرورية .. نقرت يد صغيرة شباك السيارة وإذا به طفل لا يتعدى السابعة من العمر.. مد لي يده وقال بإحدى اللهجات السورية المحببة إلى قلبي “اشتري مني مسكة وبسكوتة الله يخليك”..

وعلى غير عادتي سألته بعفوية عن عمره فأجابني بمنتهى البراءة: ” مابعرف بس أمي خبرتني اني لازم كون بالصف الأول و لابس مريول.. يعني متل هداك الصبي يلي رايح ع المدرسة” وأشار بيده الصغيرة الى طفل يرتدي الزي المدرسي الأزرق ويعبر الشارع..
كان مشهدا متناقضاً و مؤلماً.. طفلان في نفس العمر أحدهم يعبر الشارع بإتجاه أكثر جوانب الحياة إشراقاً وجمالاً وثقة.. وطفلٌ آخر يقف على أكثر جوانب الحياة بؤساً وقسوة لمن هم في مثل عمره…
مرّ على هذه الحادثة عامين.. وكل يوم تتزايد أعداد تلك الايادي الصغيرة التي تطرق شباك سيارتي.. وشباك ذاكرتي.. وجدران ضميري وقلبي بقوة..
فتلك يدٌ صغيرة تبيع “المسكة” أو ” المحارم الورقية” أو ” البسكويت أو ” الحلوى” في الشوارع… ويدٌ صغيرة ثانية تلمع زجاج السيارات.. ويد صغيرة ثالثة تبيع ” السجائر”.. ويدٌ صغيرة رابعة تلمع أحذية المارة على الأرصفة.. ويدٌ صغيرة خامسة تمتد لتتسول… ويد صغيرة سادسة تمتد لتسرق.. ويدٌ صغيرة سابعة تمتد لتَقتُل ربما..  وعدد الايادي الصغيرة تلك سيتزايد وتستمر مع هذا التزايد سلسلة من الأرقام والأحداث المؤسفة التي لا تنتهِ … و ربما لن تنتهِ أبداً طالما بقيت بعض الايادي الكبيرة مكتفية باعطاءهم القليل من النقود ثم الاشارة لهم بالابتعاد.. بينما تتلاعب بعض الايادي الكبيرة الأخرى بمستقبلهم وتسرق منهم براءة طفولتهم..

تلك الأيادي الصغيرة الطرية الغضة… تحتاجنا نحن المعنيون بتنمية الطفولة المبكرة.. تحتاج قلوبنا وأيادينا جميعا لنعبر بها ومعها إلى شط الأمان.. بعيدا عن بشاعة و جشع تلك الايادي الكبيرة التي تستغل حاجة هؤلاء الابرياء للعمل وكسب لقمة العيش.. في زمن بات صعباً .. زمن قست به الايام على أصحابها..
تلك الايادي الصغيرة تحتاج دعمنا ومساعدتنا لننهض و نمضي بها ومعها نحو مستقبل جميل ومشرق.. مفعم بالثقة والأمان والمحبة.. بعيداً عن كل أنواع الاستغلال والإهانة والأذى.. بعيداً عن تلك الأجواء المليئة بشتى أنواع الإساءات المحتملة الحدوث (سواء أكانت تلك الإساءات جسدية أو جنسية أو نفسية).. تلك الإساءات التي ان تعرض لها هؤلاء الأطفال وفي هذه المرحلة العمرية المبكرة .. ستترك ندوباً في الروح لن يمحوها الزمان مهما طال.. وسيحملونها في أعماق أرواحهم مراهقين و راشدين  حتى آخر العمر.. وسيعاني المجتمع بأكمله من تبعاتها وآثارها…
ويبقى التساؤل الكبير الذي لم نجد له إجابة مقنعة وحقيقية وواقعية حتى الآن هؤلاء الأطفال مسؤولية من؟! إنهم مسؤولية المجتمع بأسره.. مسؤولية المجتمع بكافة مؤسساته وأطيافه.. ولا أحد مستثنى على الإطلاق.. جميعنا معني وجميعنا مسؤول عن الحفاظ عليهم وصونهم وحمايتهم… هم أمانة في أعناقنا أمام الله.. وأمام الوطن.. وأمام الأجيال القادمة..