المهارات الاجتماعيّة لدى الطفل…. ماهيّتها وطرق اكتسابها

تشكّل الحياة الاجتماعيّة ركناً هامّاً وأساسيّاً في حياة الإنسان، وتتطلّب العديد من المهارات التي يعدّ امتلاكها الأساس في نجاحه واندماجه في المجتمع، ويبدأ الإنسان اكتساب مهاراته الاجتماعيّة منذ بداية السنة الأولى في حياته، حيث يظهر الاهتمام بمَنْ حوله بشكل بسيط، مثلاً (في منتصف العام الأوّل يبتسم عند مداعبته من قبل الآخرين)، و(يشعر بالراحة بوجود والديه) و(يتوتّر أمام الأشخاص والوجوه الجديدة)، وفي نهاية عامه الأوّل يكون تفاعله مع الكبار أكثر من تفاعله مع الصغار ويطغى اللعب الفردي في هذه المرحلة، كما تلعب الأسرة دوراً مهمّاً في تطوير مهاراته الاجتماعيّة من خلال تفاعله مع والديه وإخوته والآخرين من حوله.
ونجاح الطفل في اكتساب المهارات الاجتماعيّة وتنميتها يزيد من قدرته على الاندماج مع جماعة الأقران وإقامة تفاعلات اجتماعيّة ناجحة، الأمر الذي يؤدّي إلى اكتسابه المزيد من الخبرات الاجتماعيّة التي تحقّق نموّاً اجتماعيّاً سليماً، ويُعتبر الوالدان نموذجاً يُحتذى به ويترك أثره في سلوك الطفل الاجتماعيّ.
تُعرَّف المهارات الاجتماعيّة بأنّها: سلوكيّات مكتسبة تمكّن الطفل من التفاعل الإيجابيّ مع الآخرين، وتمكّنه من التعبير عن مشاعره وآرائه وأفكاره، إضافةَ إلى أنّها تعطيه القدرة على إدراك ما يصدر عنه من سلوكيّاتٍ بشكل صحيح بما يساعده على حسن التصرّف في مواقف التفاعل الاجتماعيّ، وعلى تعديل سلوكه والتحكّم فيه بما يتناسب مع المواقف المختلفة بما يمكّنه من تحقيق أهدافه التي يرضى عنها المجتمع.
وتُعرَّف أيضاً بأنّها قدرة الطفل على التواصل مع الآخرين وبناء علاقات مع الكبار والصغار بطريقة ملائمة، إضافة إلى فهمه لذاته وضبط سلوكيّاته وانفعالاته والتعبير عن المشاعر الإيجابيّة والسلبيّة وتفهّم مشاعر الآخرين والتعاطف معهم، وبناء الطفل هويّته الذاتية والتمييز بينها وبين هويّة الآخرين وقدرته على تحمّل المسؤوليّة والميل نحو الاستقلالية بشكل متزايد والاعتماد على النفس وتنمية اتجاهاته الإيجابيّة نحو العمل التعاونيّ الجماعيّ.

بعض المهارات الاجتماعيّة:

– مهارة التعاون: هو الموقف الذي تكون فيه العلاقة بين تحقيق الفرد والآخرين علاقة موجبة، ويبدأ اكتساب الطفل لتلك المهارة من خلال اللعب التعاونيّ، ويظهر عادةً في نهاية السنة الثالثة حيث يميل الطفل للعب مع طفل آخر ثمّ اللعب مع أكثر من طفل.
– المشاركة: مهارة قريبة من مهارة التعاون إلّا أنّها تعوّد على الطفل نفسه بالفائدة المباشرة من خلال مشاركة الآخرين في اللعب والعمل والأنشطة المختلفة، وهي وسيلة فعّالة لحلّ المشكلات، يجب تدريب الطفل عليها وتعليمه المشاركة بأسلوب هادئ بعيد عن الصراع والأنانيّة.
– التواصل: اعتماد الطفل على نفسه في التفاعل اللفظيّ مع أقرانه والمحيطين به، واستخدام الإشارة والإيماءة والتلاحم البصريّ، والنظر إليهم بانتباه في التعبير عن حاجاته ورغباته.
– التفاعل الاجتماعيّ: قدرة الطفل إقامة علاقات وتفاعلات اجتماعيّة إيجابيّة وناجحة مع الآخرين في صورة تعبيرات لفظيّة أو غير لفظيّة، كما تشمل كلّ ما يمتّ بصلةٍ إلى التواصل الجيّد مع الآخرين والاهتمام بهم والإقبال عليهم معبّراً عنه بسلوكيّات اجتماعيّة في المواقف الحياتيّة المختلفة من خلال متابعة الأحداث الاجتماعيّة التي تدور حوله.
– السلوك القياديّ: قدرة الطفل على تقبّل النقد دون أن يؤثّر ذلك على حالته النفسيّة والاعتراف بعيوبه وأخطائه مع قدرته على قيادة اللعب مع أصحابه، وامتلاك القدرة على محاورة الآخرين بل وإقناع الآخرين بوجهة نظره.

أهميّة المهارات الاجتماعيّة:

تتجلّى أهميّتها بالنسبة للطفل، بالنقاط الآتية:
– بناء وإدارة العلاقات، فهي بمثابة طوق الأمان للطفل في مراحل نموّه المختلفة، سيّما في مرحلة الطفولة المبكّرة.
– تسهم في تحقيق التكيّف الاجتماعيّ لدى الطفل داخل الجماعات التي ينتمي إليها، وتُعدُّ عاملاً هامّاً في التغلّب على مشكلاته وتوجيه تفاعله مع البيئة المحيطة.
– مساعدة الطفل على تحقيق قدر كبير من الاستقلال الذاتيّ، والاعتماد على النفس.
– مساعدة الطفل على اكتساب الثقة بالنفس ومشاركة الآخرين في الأعمال التي تتفق مع قدراته وإمكانيّاته، وتُعينه أيضاً على التفاعل مع الرفاق والابتكار والإبداع في حدود طاقاته الذهنيّة والجسميّة.
– تنمية مهارة التفهّم لدى الطفل من خلال المشاركة الوجدانيّة والقدرة على التعبير عن مشاعره الإيجابيّة والسلبيّة والإحساس بالمسؤوليّة.
– تمكّن الطفل من إشباع الحاجات النفسيّة من خلال القيام بالأنشطة التي يمارسها.

دور الوالدين في تنمية المهارات الاجتماعيّة للطفل:

– توفير الجوّ النفسيّ/ الاجتماعيّ، وإشباع حاجات الطفل إلى التقبّل والرعاية والحب والاحترام، ممّا يسهّل عملية النموّ السويّ للشخصيّة.
– الاهتمام بتقوية العلاقة مع الطفل، وتنمية الضبط الذاتيّ والتوجيه الشخصيّ للسلوك، وتعويده رؤية الأغراب ومجالستهم.
– العمل على تنمية الضمير والسلوك المقبول اجتماعيّاً، وتنمية ثقته بنفسه وتشجيعه على تحمّل المسؤوليّة.
– الابتعاد عن أساليب التسلّط والسيطرة والقهر، مقابل الثبات والاستقرار في معاملة الطفل.
وبذلك تتطوّر قدرة الطفل على التواصل الاجتماعيّ يوماً بعد يوم، حيث يتطوّر نموّه العقليّ والفيزيولوجيّ، مع تطوّر نموّه الاجتماعيّ عن طريق التواصل الاجتماعيّ، سواءً بالحوار مع الأطفال أم باللعب معهم، فالنموّ الاجتماعيّ مصاحب لأشكال النموّ الأخرى، وهو بالتالي عامل
مهمّ في عمليّة تنمية شخصيّة الطفل وتوازنها وتكاملها.

دور مربيّة الروضة في تنمية المهارات الاجتماعيّة:

تلعب مربيّة الروضة دوراً مهمّاً في تنمية المهارات الاجتماعيّة للطفل، من خلال:
– اللعب التعاونيّ: تشجيع الأطفال على اللعب معاً من خلال الأنشطة الجماعيّة الأمر الذي يساعدهم على تنشيط العمل الجماعيّ التعاونيّ.
– تعليم الأطفال إدارة مشاعرهم: من خلال فهم مشاعرهم، وتقديم الدعم والتوجيه لهم في التعامل مع العواطف بشكل صحيح.
– خلق بيئة تعليميّة إيجابيّة: تشجّع على التعاون والتفاعل الاجتماعي بين الأطفال.
– استخدام القصص والأنشطة المختلفة لتعزيز القيم والسلوكيّات الاجتماعيّة المناسبة.
يمكن القول: إنّ المهارات الاجتماعيّة هي الأساس في بناء شخصيّة الطفل وقبوله كعضو فعّالٍ في المجتمع، وهذه المهارات تُبنى أسسُها في مرحلة الطفولة المبكّرة، حيث يكتسب الطفل من أسرته وبيئته عادات مجتمعه وتقاليده، ومشاركة الطفل لأسرته ومجتمعه سواءً في الاحتفالات الاجتماعيّة ومراقبته للأدوار الاجتماعيّة داخل الأسرة أو في محيط المجتمع، كلّ هذا يجعله يمتصّ مقوّمات شخصيّته من مجتمعه ممّا يوجب عليه اكتساب تلك المهارات وتنميتها وممارستها بصورة سليمة وإيجابيّة لتنمو شخصيّته بصورة سويّة.

المراجع:

– حسونة، أمل .(2007). المهارات الاجتماعيّة لطفل الروضة. ط1. الدار العالميّة للنشر والتوزيع. الجيزة.
– سعود، آلاء وعبد الله ، محمّد .(2022). المهارات الاجتماعيّة وعلاقتها بالمناخ الأسريّ في مرحلة الطفولة المبكّرة دراسة وصفيّة على عيّنة في سورية. مجلّة العلوم التربويّة والنفسيّة. 5(50).134- 157.
– المرتضى، إلهام. (2018). المهارات الاجتماعيّة وعلاقتها بأطفال الروضة الموهوبين. مجلّة الطفولة. 29. 809- 832.
– سليمان، فريال.(2011).بعض المهارات الاجتماعيّة لدى أطفال الرياض وعلاقتها بتقييم الوالدين، دراسة ميدانيّة لدى عيّنة من أطفال الرياض من عمر 4و 5 سنوات في محافظة دمشق مجلّة جامعة دمشق. (27).13-56.
– سويفي، غادة .(2021).برنامج إرشاديّ توعويّ لتنمية الشفقة بالذات لأمهات أطفال الروضة في ظل جائحة كورونا وتأثيره على المهارات الاجتماعيّة لأطفالهنّ. مجلّة الطفولة للتربية.45(1).137-288.