نشأة أدب الأطفال عالميا
بقلم المدرب: محمد علي
تمتد جذور الأدب بشكل عام وأدب الأطفال بشكل خاص إلى حقب زمنية بعيدة , فموضوع الأدب موغل في التاريخ , متحرك في ثنايا الماضي متأثرا بالأسطورة حينا وبالفلسفة حينا آخر إلى أن ظهرت النظريات الحديثة المبنية على العلوم النفسية والاجتماعية والتي كان لابد للأدب أن ينهل منها ويبني قواعده المتينة عليها متأثرا بالتجربة العلمية والواقعية .
في القديم نرى أن الأمهات والجدات كن يقصصن الخرافات والأساطير للأطفال قبل النوم وبعض من هذه القصص ذهب بعيدا عن الواقع والخيال المنشود , حيث قام بإضافة أعباء كثيرة على نفسية الطفل تجلت بالتخويف والأفكار المتناثرة والهدامة .
ومن المهم ذكره أن معظم الحضارات والأمم القديمة لم تكن تولي الأهمية لتسجيل حياة الطفولة أو آدابها وفي كثير من الأحيان كانت تعامل الأطفال على أنهم راشدين , ابتداء من سرد القصص التي تفوق مخيلة الطفل واستيعابه .
إلا أننا نستطيع الجذم أيضا أن بعضا من تلك الحضارات اهتم بأدب الاطفال , فالمصريون مثلا سجلوا حياة الأطفال وأدبهم في نقوش وصور على جدران قصورهم وقبورهم وكتبوها على أوراق البردي التي بقيت آلاف السنين , وهذه الصورة المنقولة عن حياة المصريين تقول لنا بكل لطافة وبراعة أن االأطفال هم أطفال مهما اختلفت الأزمنة والأمكنة .
لذلك نجد أن أدب الأطفال لم يكن طارئا على الأدب العربي فحسب بل هو طارئ على الآداب العالمية كلها دون استثناء لأن الإنسان لم يكن يدرس ويتأمل سلوك الطفل بنظرة علمية إلا بعد ظهور الكثير من النظريات النفسية في السنوات الأخيرة .
ونستطيع أن نلاحظ هنا بدقة أن أدب الأطفال اعتمد في نشوئه على تلك الخرافات والحكايات التي لا يمكن أن تعد بحق أدبا للأطفال لأنه لم يراع في صياغتها وإنشائها خصائص الطفولة وميزاتها المتنوعة .
إذن الانسان لم يكتشف الطفل إلا في وقت متأخر جدا , حتى في مجتمعات قبل عصر العلم كان ينظرللطفل من خلال علاقاته الاجتماعية والاقصادية والدينية التي ينتمي إليها .
في المحصلة كانت النظرة للطفل خاطئة في حدود كثيرة, لإنها اغفلت خصوصية الطفل في التفكير كما اغمضت عيونها عن ميوله وانفعالاته .وإذا نظرنا بدقه أكثر حول نشأة أدب الأطفال لاكتشفنا أن الأطفال ظلو مفتقرين إلى الأدب حتى زمن ليس بقريب .
فإذا ما استعرضنا فترة الإصلاح الإيطالية نجد أن ادب الأطفال نشأ مستمدا مقوماته من الحكايات الشعبية الشائعة المبنية على الأساطير والسحروالخرافة والعفاريت والجن وعلى ما هنالك من مفردات تسبح بعيدا خلف حدود العقل .كما تدخلت الحالة السياسية للمجتمعات انذاك لتفرض على النظم الاجتماعية ما تريده . وحدث هذا عند انتقال المجتمعات الأوربية من عهد الاقطاع الى النظام الرأسمالي , في ذاك الوقت لم تكن هناك فلسفة واضحة لأدب الطفل سوى الخرافات المنسوبة لمؤلفين مثل خرافات (إيسوب ) حيث طبعت بين ( 1475 -1480 ) ثم ترجمها للإنكليزية كالستون وطبعها عام 1845 .
ولقد كتب جون لوك ( 1635 -1704 ) آرائه التربوية والفلسفية بما يخص الطفل والطفولة , وفي اواسط القرن الثامن عشر نادى الفيلسوف جان جاك روسو ( 1712 -1778 ) بأن هدف التربية هو أن يتعلم الإنسان كيف يعيش وأن تترك للطفل الحرية لتمنية مواهبه الطبيعية بعيدا عن الكبت والتقييد , واستجاب كثير من الناس لما قاله ( روسو ) ولكنهم تعاملو بشكل مبالغ فيه من حيث أنهم قدموا معلومات وحقائق علمية تبدو جافة بعض الشيء بعيدا عن الخيال والتأمل المطلوب لتحقيق التوازن في بناء شخصية الطفل .
ومن هنا قيل أن الفرنسيين أول من كتب للأطفال في القرن السابع عشر ثم تلاهم الأنكليز حيث دخلت أمثولات لافونتين (1621 – 1695 ) أدب الأطفال فصدرت ( 320 ) خرافة موزعة على اثني عشر كتابا , وقصص فيدروس الهجائية الساخرة والمريرة , وأشعار ( سيروالتر سكوت ) الشعبية ( 1771 -1832 ) كما ظهرت قصص ومغامرات كبلنج (1865 – 1936 ) وغيرهم , وكان من أوائل الذين كتبوا خصيصا للأطفال ( تشارلز بيرو ) الشاعر الفرنسي (1628 – 1703 ) وكانت أولها حكايات ( أمي الأوزة ) حيث وضع اسم ابنه كمؤلف لها مخافة أن تؤثر في الإقلال من شأنه الأدبي لأنه كان ينظر إلى الكتابة للاطفال وكأنها ليست إبداعا فنيا ولكن بعد ذلك أصدر مجموعة قصصية أخرى للأطفال هي قصص وخرافات من الأزمنة القديمة عام 1697 وثبت اسمه عليها لأنه تنبه الناس إلى أدب الأطفال إلى حد ما , ومنها قصة سندريلا والقط ذو الحذاء الطويل , واللحية الزرقاء , والجمال الناعس , وكان لإصدار ترجمة ألف ليلة ويلة إلى اللغات الأوربية بعد عام 1717 الأثر الكبير في ذيوع القصص والحكايات والخرافاتالمستمدة منها .
وأما بالنسبة للإنكليز فقد أصدر الكاتب الساخر ( ناتارسويفت ) قصته المشهورة ( رحلات جاليفر ) حيث أعدها ( جون نيوبري ) لتصبح في عداد أدب الأطفال , وقصة دانيال ديغو المسماة ( روبنسون كروسو ) وهي تعد بداية للفن القصصي في انكلترا حيث تدعو إلةى الصبر تجاه الشدائد . والتي حولها (نيو بري) أيضا لتلائم الأطفال .
وقد اصدر الشاعر الإنكليزي ( وليم بليك ) 1757 -1827 مجموعة شعرية هي أغنيات البراءة وقد كان لها تأثير في أدب الأطفال , كما وأصدر الكاتب الانكليزي ( شارلز لوتودج دودجس ) الملقب بلويس كارول 1832 -1898 ( قصة أليس في بلاد العجائب ) والتي لاقت شهرة , وقد كان ينطلق على سجيته مع الأطفال ويقص عليهم أمتع الحكايات .
وأصدر ( أندرسن ) كاتب الأطفال الدانمركي مجموعة من القصص والحكايات , لاقت إقبال الأطفال من كل بلدان العالم حيث تمت ترجمتها إلى أكثر اللغات .
يبقى لنا أن نقول أن أدب الأطفال علميا انتقل من مرحلة الخرافة والأسطورة إلى حيث يبأ الواقع والخيال العلمي المبني على التجربة لرسم معالم التفتح والنماء لشخصية الطفل ليكون قادرا على العطاء والإبداع .
سنتطرق إلى الحديث عن نشأة أدب الأطفال في الوطن العربي لاحقاً.