الحماية الزائدة خطأ شائع.. وتشجيع محاولات الطفل مفصل هام في تكوين الشخصية السوية

ثمة مقولة مفادها أن”الطفل المضطرب يُصنع ولا يولد” فالطفل المضطرب ينشأ في  كنف الأسرة وفي ضوء أساليب تنشئتها لأبنائها, وهناك علاقة لا يمكن إنكارها أو تجاهلها بين أساليب التنشئة الأسرية ومختلف أشكال الاضطرابات النفسية والمشكلات السلوكية التي تظهر عند الأبناء بدءا من مرحلة الطفولة مروراً بمختلف المراحل العمرية اللاحقة.

ودور الأسرةمحوري وأساسي ويتقدم باقي مؤسسات التنشئة الاجتماعية بجميع أشكالها, على اعتبار أن الأسرة هي الجماعة الأولية الأولى من حيث أسبقية التأثير، وهي الحاضن الأول الذي يقدم الرعاية للفرد، وينعكس تأثيرها منفردة في جميع مراحل النمو الهامة والحاسمة في حياته.
وعليه فإن جميع القيم والاتجاهات التي تسهم في تكوين وتشكيل ملامح شخصية الطفل والتي تستمر معه في المراحل العمرية اللاحقة تنشأ في كنف الأسرة، ومهما بلغت تأثيرات الجماعات الأخرى التي سينخرط فيها الطفل لاحقا تبقى تأثيراتها اقل عمقاً مقارنة بالأثر الدامغ والشامل الذي تتركه الأسرة في مختلف جوانب شخصيته.
رغم الـتأثير الكبير للأسرة في حياة الفرد إلا أن هناك بعض أساليب التنشئة الأسرية يمكنها أن تؤدي إلى عرقلة النمو السوي للطفل، وهنا تبرز النقطة الأكثر خطورة والمتمثلة بتحول أساليب التنشئة الاسرية الخاطئة التي يتلقاها الطفل في كنف الأسرة إلى أساليب تكيف يتعلم الطفل من خلالها كيف يستجيب للمواقف الحياتية على اختلاف أشكالها ولاحقا عندما يغدو هذا الطفل راشدا سينقل هذه الاساليب معه إلى أسرته التي سيبنيها، فإذا كانت هذه الأساليب سوية فهي ستساعده على أن يتوافق مع محيطه وبيئته, أما إذا كانت غير سوية فهي ربما تكون أحد العوامل الأكثر اسهاما في التمهيد لظهور المشكلات والاضطرابات النفسية في مرحلة ما من حياته.
ومن هنا تنبع أهمية الحديث عن أساليب التنشئة الأسرية كونها من أهم وأكثر العوامل التي تؤثر في شخصية الفرد وأنماط سلوكه, ولعل من أكثر أساليب التنشئة الأسرية شيوعا وخطأً في آن معاً هو أسلوب الحماية الزائدة, و تظهر الحماية الزائدة من خلال الافراط في الخوف على الابناء و المحافظة عليهم, حيث يقوم أحد الوالدين أو كلاهما نيابة عن الطفل بأداء المهام والواجبات والمسؤوليات التي من المفترض أن يقوم الطفل بها بنفسه لكي تتكون لديه شخصية ناضجة ومستقلة عن شخصية الوالدين, شخصية قادرة على الاعتماد على النفس ومواجهة كافة المواقف في الحياة لاحقا.
ومما لاشك فيه أن لهذا الاسلوب الأسري في التنشئة آثار سلبية لا يمكن الاستهانة بتأثيراتها الراهنة والمستقبلية، وتتمثل بانخفاض ثقة الطفل بنفسه وانعدام ميله للمبادرة, فيغدو الطفل أكثر انسحابية في المواقف الاجتماعية التي تتطلب الأداء أو الإنجاز أمام الآخرين، كما أن الطفل يصبح اقل تحملاً للمسؤولية والسبب بالتأكيد وجود من ينوب عنه ويقوم بتأدية جميع الواجبات والمهام بدلاً عنه، وبسبب التدخل بجميع تفاصيل حياته بحجة الخوف والحرص عليه يتأخر نمو وظهور الاستقلالية لديه هذا إن لم يتوقف، بالإضافة إلى ذلك فإن مظاهر الخوف والحرص والقلق التي يظهرها أحد الوالدين أو كليهما تولد مشاعر عدم الطمأنينة الى جانب الآثار السلبية السابقة التي سبق ذكرها, فتسهم كلها مجتمعة في حدوث العديد من المشكلات التي تتعلق بالتكيف والتوافق.
ولا بد من الاشارة إلى أن الابتعاد عن الحماية الزائدة لا يعني على الاطلاق التسيب والانفلات وغياب الحدود وإنما يعني وضع حدود وقوانين تحكم سلوك الطفل دون الاكثار منها, كما تعني الأسلوب الودي والحازم في آن معاً أثناء التعامل مع الطفل, وتشجيع ودعم كافة أشكال السلوكيات المسؤولة والناضجة التي يبديها الطفل بدون تدخل دائم ومتسلط من قبل الوالدين.
فإتاحة الفرصة للطفل لينمو في جو يشجع محاولاته ونزعته نحو الاستقلالية وتأكيد الذات وتشجيعه ودعمه على اتخاذ القرار من شأنها مجتمعة أن تسهم في تقديم راشد ناضج و قادر على تحمل المسؤولية و اقامة علاقات سوية وناجحة مع الآخرين, كما يسهم أيضاً في خلق جو ايجابي مشبع بالمحبة والدفء الأسري, وفي ظل هذه البيئة الاسرية السوية يشعر جميع أطراف الأسرة بحاجتهم بعضهم لبعض.