نشأة أدب الأطفال في الوطن العربي

بقلم المدرب محمد علي

يعتبر الأدب شكل من أشكال الفن الذي أبدعه الكتاب والشعراء من روائع الشعر والنثر , هذا الفن الذي يصور العواطف الإنسانية ويرسم للناس صور الحياة على اختلافها في الطبيعة والمجتمع , لذلك كان الأدب وما يزال يحتاج للغة ليترجم تلك الصور ويخرجها بحلتها الجميلة الزاهية .
وكما هو معروف للجميع بأن اللغة العربية لغة البيان والجمال والشعر , لغة واسعة تطاوع البنان قادرة على حمل رسالة الأدب ككل الرسائل السامية في الوجود الإنساني , فهي تحمله بين جناحيها وتغادر به إلى كل الأماكن والربوع .
ولكن إذا ما نظرنا تاريخيا إلى الأدب العربي فإننا قد لا نجد فيه ما يصح أن نسميه  ( أدب الأطفال ) قبل النصف الثاني من القرن التاسع عشر , ومع ذلك يمكن أن نجد في ثنايا الأدب العربي قديما ألوانا قليلة تصلح لبعض مراحل الطفولة , لأنها وباختصار جاءت مصورة للأحداث والتجارب في أسلوب قصصي , أو أريد لبعضها أن تلعب أدوارا كالتسلية والفكاهة , أو لفت انتباه الناس للاستماع فجاءت في بعض الأحيان بشكل عفوي غير مقصود صالحة للأطفال .
لا شك أن الترانيم الشعرية التي كانت الأمهات والآباء يطربون بها الصغار تعتبر بحق لونا من ألوان الأدب التي توجه بها الكبار إلى الصغار منذ العهد الجاهلي , وإن كان الطفل لا يدرك مراميها بدقة , وإنما يتأثر بموسيقاها التي تبعث في نفسه الإحساس بالجمال والشعور بالسعادة , وهكذا عاش الأطفال على أدب الكبار ووجدوا فيه الغذاء الصالح لنفوسهم.
لا يخفى على أحد أن الأدباء والمشتغلين في المجالات التربوية حاولوا إغناء الأدب العربي كل حسب رؤيته وإمكاناته , فبعضهم لجأ على الآداب الأجنبية من قصص ومسرحيات وقاموا بترجمتها , والبعض الآخر ألفوا آدابا يستسيغها الأطفال ويطربوا لها , وخير مثال مدارس سورية ولبنان وما شهدته من مسرحيات , فقد ألف خليل اليازجي (مرؤة ووفاء ) كما عرب محمد عثمان جلال ( العيون اليواقظ ) على لسان الطير والحيوان عن كتاب لافونتين , وتبعه من بعده شعراء وضعوا أشعار على لسان الطير والحيوان مناسبة للأطفال , وكان منهم إبراهيم العرب الذي وضع كتابه ( آداب العرب ) سنة 1912 وجاء بعده  شوقي بشعره على لسان الحيوان والطير , وقد ظهر ذلك في الجزء الأول من ديوانه عام 1898 ثم اقبل المؤلفون على خرافات (إيسوب ) يستعيرون من قصصها ما يلاءم بيئتنا واتجاهاتنا .
رغم ما قلنا إلا أن الدكتور الهيتي يرى في كتابه أدب الأطفال انه:ليس في تراثنا الأدبي رغم ثرائه, ما نسميه أدب أطفال,  وما تناقله الأطفال من قصص وحكايات شعبية عن الكبار كان كئيباً لما ينطوي عليه من حكم ومواعظ و أمثولات قاسية.
ولهذا يعتبر أدب الأطفال جديد على الآداب العالمية بشكل عام والأدب العربي بشكل خاص حيث لم يُعن به أحد بشكل فاعل وسليم, إلا بعد ظهور علم نفس الطفل والنظريات التربوية الحديثة.
وإذا ما نظرنا إلى أدب الأطفال بدقة , نرى أنه كان فاقداً للتمييز والحضور, وذلك بسبب أن المجتمع العربي كان مجتمع رجل قبل كل شيء, بالإضافة إلى شيوع النظريات التربوية التقليدية وتسلطها, والتي كانت ترى في الطفل رجلاً صغيراً, كذلك الأمر بالنسبة للثقافة والإعلام, حيث يعتبران ظاهرة حديثة نسبياً في مجتمعنا العربي المعاصر.
من المهم أن يراعي أدب الأطفال خصائص الطفولة باعتبار الطفل كائناً صغيراً له دوافعه, وميوله, وخيالاته, وقدراته, وهذا ما تفتقر إليه التربية التقليدية.
وقد كانت منابع أدب الأطفال مستمدة من بعض الحكايات العربية التي يحتويها تراثنا الأدبي.
بالإضافة إلى الترجمة عن بعض اللغات, وخاصة الإنكليزية والفرنسية.
لا يخفى على أحد أن الحكايات والأقاصيص قدمت كما هي بمضامينها القديمة أسلوباً, ومضموناً دون تطور, وهذه الحكايات نسجتها أخيلة الناس في عصور مختلفة , وكانت تحاكي الكبار قبل الصغار .
يبقى لنا أن نقول أيضا أن الكثير من القصص والحكايات والشخصيات القصصية العربية اليوم قد ترجمت إلى  لغات العالم المختلفة وقدمت للأطفال بأسلوب ممتع وشائق دون الإشارة إلى مصدرها , وقد استفاد الغربيون من الحكايات الشعبية عموما والعربية خصوصا , فمثلا انتفع لافونتين من كليلة ودمنة , وترجمت ألف ليلة وليلة إلى اللغات الأوربية حتى الخرافات المنسوبة إلى  ( ايسوب )هناك من يفترض أنها ذات أصول شرقية  .
وترجم آخرون عديدا من الروائع الأدبية منها ( رحلات جليفر ) و(أليس في بلاد العجائب) وغيره , وقد ترجمت قصص من رومانيا مثل (الطائر المسحور) وكذلك من بولندا( قصر ويفل) ومن القصص الإغريقية مغامرات أوليس ومن الهندية ( بارهاتا ) , ومن اليونانية القديمة ( رحلات أوديسيوس ) ومن القصص اليابانية الأشجار والأقزام ومن القصص الاسبانية (السيدة السوداء )  .
في النهاية لابد لنا أن نذكر أن البدايات الأولى لأدب الأطفال بدأت مع مطلع القرن العشرين شعرا ولم تظهر القصة المنثورة إلا في مطلع الأربعينات والتي اعتمدت بطبيعتها أسلوب تمجيد الماضي دون تجسيد الوقائع والأفكار تجسيدا فنيا
ومن المهم أن نقول أن أساليب ومضامين أدب الأطفال التي ما تزال نسبيا تدور في دائرة شبه مغلقة عليها  أن تتسع وتنمو وتتفتح لإغناء عالم الطفل وفتح آفاق كثيرة من الفهم والتخيل وقراءة الماضي ومعرفة المستقبل .